في العام الماضي اكتمل على غرق سفينة تايتانيك 100 سنة، ولا زالت السفينة تثير الانبهار في المجتمع الغربي والأمريكي خاصة، ويتناقل الناس أخبارها ووقائعها، ولا أدري لماذا هذا الافتتان بهذه السفينة؟ ربما لأنها - في ذلك الوقت - كانت أضخم سفينة معروفة، وربما بسبب الأساطير الكثيرة التي تناقلها الناس عنها، والتي امتزج فيها الخيال مع الواقع، وأضفى هذا كثيراً من السحر على قصة هذه السفينة التي شهَّر التاريخ والإعلام ذِكرها، خاصة الفيلم الشهير بالاسم نفسه، الذي كان أنجح فيلم في شباك التذاكر في تاريخ السينما لمّا ظهر عام 1997م، وزاد لهيب الافتتان وَقوداً.
لعشرات السنوات حاول الناس العثور على بقاياها، لكن لم ينجح أحد، وبعد أكثر من سبعة عقود عثروا أخيراً على حطامها عام 1985م.
ما قصة هذه السفينة؟ صُنِعَت تايتانيك عام 1912م في بريطانيا. كان طولها 270 متراً، وعرضها 28 متراً، وارتفاعها 32 متراً، وبلغ وزنها أكثر من 52 ألف طن، واحتوت على 3 طبقات من الضيافة: الدرجة الأولى والثانية والثالثة. فأما الثالثة فهي أدناها درجة، وكانت لعامة الناس، والدرجة الثانية كانت أفضل، وفيها ميزات أحسن، لكن مَرَافق وخدمات الدرجة الأولى هي ما اشتهرت به تايتانيك وذاع بسببها صيتها، وسَعَت بها إلى أن تكون أفخم سفينة ركاب، فكان يمكن للراكب أن يستخدم الهاتف ومكتبة عامة ومحل حلاقة كبيراً، إضافة لحمام سباحة وملعب اسكواش (وهي رياضة شبيهة بالتنس) وحمام تركي (عبارة عن غرفة ساخنة، يدخل فيها الشخص ليعرق ثم يتبرَّد بالماء البارد) وغرفة تدليك وصالة أجهزة رياضية ومطاعم فاخرة. وبعد هذه الأنشطة يسترخي الراكب على كراسي مقهى فخم في شُرفة عالية تُطل على باقي السفينة وعلى المحيط. وإذا غابت الشمس أتى وقت العشاء، الذي تكوَّن من 13 طبقاً متتالياً من أفخر المأكولات، مثل «فوا غرا» (كبد البط)، ولحم الغنم المشوي مع النعناع، وحلوى المشمش المنقوعة في الهُلام.. ويستمر هذا العشاء المُبهِر 5 ساعات.
كانت تايتانيك أضخم سفينة في العالم وقتها وشيئاً لم يُرَ مثله، وأعلنت الشركة التي بنتها أن هذه السفينة الجبارة لا يمكن أن تغرق، وتفاخروا بها كثيراً في إعلاناتهم. وفي الرابع عشر من إبريل من عام 1912م انطلقت السفينة في أول رحلة لها تاركة ميناءها في مدينة ساوثهامبتون البريطانية قاطعة المحيط الأطلسي الذي يفصل أوروبا عن أمريكا، التي إليها كان المقصد، وتحديداً مدينة نيويورك. ولم تلبث هذه السفينة طويلاً حتى ضربت جبلاً جليدياً، وأخذت تغرق، ولم تنفعها احتياطاتها الأمنية ولا الوعود الوهمية التي قطعها أصحاب الشركة التي صنعت السفينة زاعمين أنها لا تغرق. وذهب ضحية هذه الحادثة قرابة 1500 شخص، وكان أكثر الغرقى من الرجال؛ لأنه آنذاك كان من مبادئ المجتمع الغربي مبدأ «النساء والأطفال أولاً» فكانت هاتان الطائفتان لهما الأولوية في قوارب النجاة ذات العدد المحدود.
أما من يتابع أخبار تايتانيك من القراء الكرام اليوم فإن هذه السنين هي آخر فرصة لكم لرؤية بقايا السفينة؛ ذلك أن العلماء اكتشفوا عام 2010م أن هناك نوعاً جديداً من البكتيريا أخذ يأكل حُطام السفينة، ويُقدِّرون أنه لن يأتي عام 2033م إلا وقد تآكلت تايتانيك، وتحولت إلى مجرد لطخة من صدأ على قاع المحيط.
Twitter: @i_alammar