كنت أسير في أحد شوارع الرياض الرئيسية فاسترعى انتباهي عمارة تجارية على أحد جانبيه تحمل اسم (قصر الحمراء)، والطريف المؤسف أنه ليس لها من اسمها نصيب، فلا هي قصر ولا هي حمراء برغم كبر مساحتها وحجمها، ولا تحمل من ملامح قصر الحمراء الشهير في غرناطة الأندلسية شيئاً يناسب التسمية..
بل إن اسم العمارة مكتوب بالنيون الأزرق!. قضية كهذه لا أظن أمانة المنطقة بل والمناطق الأخرى لديها الإمكانات العلمية والفنية للعمل على مراعاتها وإعطاء الطابع والهوية العمرانية للمباني والمنشآت، ومن ثم للمدن في المملكة بشكل عام، رغم أن المسألة ليست بصعوبة النزول على كوكب المريخ الذي بدأ التخطيط له في الدول الرائدة منذ سنوات. فهل المسألة اذًا أننا مازلنا في مرحلة البناء والتشييد وأن اللمسات والرتوش النهائية لم يأت وقتها بعد؟، أم هو سوء التخطيط إن لم نقل فقره؟ أعجبني كلام وضع اليد على موضع الألم من قبل رجل متخصص وكأنه تحدث بلسان كل من يتلفت ويقلب وجهه في أحياء مدننا وشوارعها علّه يلمح مبنى يثير فيه حميمية اجتماعية وهدوء نفس وإحساسًا بالانتماء الطبيعي للمكان. حديث الدكتور مشاري النعيم المشرف العام على مركز التراث العمراني الوطني في الهيئة العامة للسياحة والآثار في لقاء أجرته معه الزميلة (الشرق الأوسط) اللندنية في شهر يونيو الماضي جاء في الصميم ملخصًا المسألة في أن المدينة (مدننا بشكل عام) أصبحت تزيد من الضغط النفسي ولا تحث على التواصل الاجتماعي، كما أن لدينا تراثًا معماريًّا كفيلاً بتحديد هوية عمرانية وحضرية لمدننا. ثم أضاف عبارة شجاعة وصادمة حين قال: إن مدن الاسمنت هي محصلة لرسملة المدينة وتحولها الى سلعة تباع وتشترى. وهو يرى أن تراجع الهوية العمرانية جاء نتيجة تغير (روح المجتمعات) التي صارت تسكن مدن الاسمنت!. ولعلي أزيد على هذا السبب - او أشرحه إن جاز التعبير - أنه ضعف الوعي والثقافة المعمارية بل والتاريخية والاجتماعية والفنية لدى الأمانات، لأنها ركزت جهودها على (الممنوع) و(المخالفات) وان كان هذا من صميم عملها وواجبها وتشكر عليه، إلا أن ضعف التخطيط الحضري وغياب مراعاة الطابع والهوية العمرانية أنتج هذه القوالب الاسمنتية التي خلقت تشوهًا بصريًّا وعمرانيًّا أطبق على نفسيات السكان وأمزجتهم بل وحسهم الجمالي.
هنا، يأتي دور الهيئات العليا لتطوير المدن والمناطق، ومنها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض والتي تقتضي الأمانة أن نقول بأنها عملت برؤية فكرية وثقافية، حضارية وفنية، مما جعلها تنظر أول ما تنظر الى التراث وإزالة طبقات التراب عن المعالم التراثية الأثرية، وإعادة إحيائها وخدمتها ووصلها بالحواضر حولها. إن الأمة التي تهمل تاريخها ولا تراعي هويتها فاقدة لبوصلتها الحضارية، ولعل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض هي الأجدر بتبني إحياء الهوية العمرانية العربية لمدننا كما سبق وكتبت قبلاً، امتداداً لنجاحاتها المشهودة في إحياء وادي حنيفة والدرعية التاريخية ووسط المدينة. وبمثل هذا الخطاب نتوجه الى هيئة تطوير مناطق مكة والمدينة وحائل والمنطقة الشرقية وجميع مدننا وبلداتنا، لتكون مدننا وبلداتنا وقرانا ذات هوية عمرانية بروح من ثقافتنا العربية الاسلاميه، تعزز الاحساس الإنساني والجمالي والحميمية الاجتماعية، وحتى لا تكون مجرد علب اسمنتية تحشرنا فتمرضنا. والله يرعاكم برحمته.
omar800@hotmail.comتويتر @romanticmind