أتابع دائماً ما يكتب في «الجزيرة» عن عدم التزامنا بالأنظمة أحياناً، وكذلك عدم التزامنا بالمواعيد والوقت أحياناً أخرى، وحينما نتحدث عن ذلك يجب أن نعلم أنّ ديننا الحنيف أوصانا وحثّنا على ضرورة الاهتمام بحفظ الوقت والصدق بالوعد، ولو تمعّنا الكثير من العبادات، نجد أنّ لأدائها وقتاً معيّناً ومحدداً كالصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام وغيرها، إذاً نحن كمسلمين من الأولى أن نكون قدوة العالم بحفظ الوقت والوعد والانضباط بالعمل وتجويده.
وسأذكر بعض الأمثلة من واقعنا على بعض السلبيات ومنها:
- نلاحظ من خلال حياتنا العائلية واليومية، سواء في أيام الدوام أو الإجازات، تفريطنا وإهمالنا من خلال بعض المظاهر السلبية كأوقات النوم أو وقت إعداد الوجبات الغذائية، فليس هناك نظام عائلي يحدد فيه ذلك، فالبعض ينام في وقت النهار والآخر يصحو في الليل، وتناول وجبة الإفطار وقت الظهر وتناول الغداء قبيل المساء، أما العشاء فبعد منتصف الليل ناهيك عن القيمة الغذائية لتلك الوجبات ومئات سعراتها الحرارية؟!
- نلاحظ الفوضى والزحام الشديد في شوارعنا وطرقاتنا وبعض التجمُّعات السلبية، وإغلاق الشوارع على ذوي الحاجة وأصحاب الأعمال والتوقف الخاطئ عند الإشارات، وفي بعض الأحيان تجاوزها بسرعة جنونية قد تقضي على حياة أبرياء، ولو سألنا أنفسنا عن أسباب تلك السلبيات لكان الجواب إمّا الاستعجال للحاق بموعد لاجتماع أو تأخر عن وقت العمل أو موعد في مستشفى، ولو سألنا أنفسنا عن أسباب الزحام وتعطيل حركة السير لكان الجواب إمّا أننا نعيش في وقت إجازة أو أنه في حالة (طفش)، ويبحث عن مكان يروّح فيه على نفسه.
- نلاحظ أننا نتساهل كثيراً في أوقات الدوام ولا نلتزم في أوقاته المحددة، وكأنّ هذا الراتب ضمان اجتماعي ليس له علاقة بالانضباط والالتزام بأوقات العمل، مما يتسبب ذلك في قلة الإنتاجية وتكدُّس المعاملات وتأخير إنجازها، وهذا واقع بعضنا للأسف الشديد وأصبح الإنسان الملتزم بدوامه بعدد أصابع اليد في كل إدارة أو مؤسسة.
ولو بحثنا عن كيفية علاج هذا الواقع لخرجنا ببعض النقاط ومنها :
- أن نستشعر أنّ التزامنا بالوقت وحفظه والانضباطية بالعمل وتجويده، كل ذلك نابع من تعاليم ديننا الحنيف، وأنّ الإسلام حثّنا على إتقان العمل.
- التوعية وتبدأ من البيت فأولياء الأمور مسئولون ومؤتمنون على من تحت أيديهم من الأبناء في حثِّهم على تنظيم الوقت، فيعرف الابن متى يأكل ومتى ينام سواء في أوقات الدراسة أو الإجازات، وكذلك تعويدهم على أهمية الوقت وكيفية قضائه فيما يعود بالنفع للفرد والمجتمع، وكذلك يشترك في تلك التوعية مؤسسات التربية والتعليم، وأن يكون منسوبوها ومعلِّموها قدوة لطلابهم بالالتزام والانضباط والمحا فظة على ساعات العمل، وعدم التأخر عن بداية الدوام وعن الحصص الدراسية والإخلاص بالعمل وأداء الأمانة على أكمل وجه.
وكذلك الخطباء والمفكِّرون والمثقّفون وكتّاب الرأي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، عليهم التذكير بأهمية الالتزام بالوقت وعدم إضاعته.
- تكاتف الأجهزة المعنيّة كمكاتب رعاية الشباب والبلديات وإدارات التربية والتعليم ووزارة الصحة لإيجاد بيئة جاذبة للشباب لمزاولة هواياتهم المهنية والرياضية واستغلال أوقات الفراغ بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، واكتساب بعض المهارات وتطوير بعضها الآخر في أجواء تربوية وصحية، وتنظيم بعض البرامج الغذائية المفيدة للعقل والجسم تحت إشراف كوادر مخصّصة.
- ضرورة تطبيق الأنظمة واللوائح النظامية في حق كل مقصِّر ومحاسبة غير المنضبطين بالتأخر أو الغياب، لأنّ الحزم في هذه الحالة يعدِّل بعض تلك السلبيات وربما يكون دواءً ناجعاً، ولأنّ من أمِن العقوبة أساء الأدب.
- ضرورة أخذ الحيطة والحذر من معوّقات الطريق سواء بُعد المسافة أو الازدحام أو الحوادث لا سمح الله، والتبكير قبل الموعد بوقت كافٍ، وأخذ جميع تلك الاحتياطات بالحسبان.
- نتمنى من الأجهزة المسئولة كالمرور والبلديات وضع خطط مستقبلية وعاجلة للقضاء على الاختناقات المرورية والتي أصبحت عذراً لكلِّ متأخر عن موعده أو عمله.
- مدة العلاج قد تطول لسنوات، فلا ننتظر النتائج خلال سنة أو سنتين، وبإذن الله ستكون جميع أوقاتنا ومواعيدنا في وقتها، ولن تكون بالساعة بل بالدقيقة، وكم أتمنى من إداراتنا ومؤسساتنا وضع معايير للجودة، ومن أبرزها الانضباط والمحافظة على أوقات العمل.
- ضرورة دعم الجانب التحفيزي والتشجيع والتكريم، بدءاً من المنزل والمدرسة والمسجد والعمل وعلى جميع المستويات، لكلِّ من يحترم الوقت والانضباط بالدراسة والعمل.
محمد بن عثمان الضويحي - محافظة الزلفي