الكلمة الملكية التي توجّه بها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- صبيحة يوم عيد الفطر المبارك، لم تكن كلمة عادية.. لم تقتصر على التهنئة والمعايدة فقط، وإنما جاءت تحمل مضامين مصيرية غاية في الأهمية، كانت مكاشفة موجهة لكافة المسلمين في جميع أصقاعهم على الكرة الأرضية.
- الملك عبد الله -رعاه الله- خاطب كافة المسلمين؛ بلغة مباشرة، وأسلوب شفيف، مركزاً على أهم قضية مؤرقة لهم في عدد من بلدانهم، وخاصة تلك البلدان العربية التي تضج بالخلافات، وتفتتها المشاحنات، ويعصف بها التطرف، ويهدِّد كياناتها الإرهاب بشتَّى صوره وأشكاله، فالثورات التي تسمت بالربيع العربي، كشّرت عن أنيابها، فبرزت من لبوسها قوى شريرة تعمل على إعادة رسم خارطة المنطقة، وامتهن الإسلام من خلال مدعيه الذين طالما ضللوا الناس واستغلوهم باسمه، وهم في حقيقتهم ليسوا إلا أدوات تعمل لتحقيق سياسات أكبر منهم، وأبعد مدى من محيطهم.
- لم يكن مستغرباً على المملكة قيادة وشعباً، وقفتها القوية ضد الإرهاب وملاحقة عناصره الإجرامية في أي مكان وأي زمان، خاصة وقد أصبح للإرهاب دول ترعاه وتمول عملياته، وأحزاب إسلامية وعربية، ترفع راياته السود، وتقتل الناس باسمه، فالمملكة هي التي سعت منذ البدء، لإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، ورعت أول مؤتمر له بالرياض، ووضعت خلاصة تجربتها وخبراتها الأمنية والفكرية، في متناول الدول الجادة في مواجهة هذا الشذوذ الفكري المدمر، وها هي تدعم هذا المركز من جديد بمبلغ مئة مليون دولار، قائلة على لسان خادم الحرمين الشريفين: (نحن مطالبون بتفعيل المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، ويكون العاملون فيه من ذوي الدراية والاختصاص). ثم تقول على لسان مليكها المفدى، كاشفة عن حقيقة الإرهاب: (الإرهاب الفكري أباح هتك الحرمات، بنظرياته الحزبية، ومطامعه السياسية، بالتدليس على الناس وفق مرادهم).
- ما ظهر دعاة الفتن في بلد، إلا شتتوا أهله، ونحسوا مصيره، ونشروا الخراب والدمار، وخطرهم يكبر ويعظم؛ إذا جاءوا متلبسين بالدين، زاعمين الغيرة عليه، والدفاع عن أهله، بينما الدين منهم براء. ما هو واجبنا في مثل هذه الحالة..؟ يقول الملك المفدى في كلمته الذي عايد بها المسلمين: (علينا التصدي بكل عزم وحزم، لدعاة الفتنة والضلال والانحراف، الذين يسعون لتشويه سمعة الإسلام.. الفكر المنحرف أشد خطراً، وأعمق فتكاً، من حراب عدوها المتربص علناً بها).
- إن أعداء العرب والمسلمين، لم يهزموا هذه الأمة طيلة تاريخها، إلا من خلال أبنائها، الذين همهم الوصول إلى الكراسي، والتسلط على رقاب الناس، فتفرقوا من أجل ذلك، شيعاً وجماعات وأحزاباً، فغرروا بالبسطاء، واستذلوا الضعفاء، وسفكوا الدماء.. يقول عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله-: (الأعداء والمتربصون؛ حفلوا في سياق فرصهم التاريخية، بشعارات تبيح قتل الأبرياء وترويع الآمنين).
- وفي عيد إسلامي مجيد- يفترض أن يكون سعيداً كما يتطلع إليه أبناؤه- فإن الأوضاع السياسية والأمنية في عدة بلدان عربية وإسلامية؛ ليس لها من هذا العيد إلا اسمه، فهي مضطربة، وتنذر بأخطار جسيمة. يقول خادم الحرمين في كلمته هذه: (الألم يعتصر قلبي وقلب كل مسلم، والحزن يلم بنا؛ عندما ننظر إلى حال أمتنا التي أصبح التناحر فيها سبيلاً.. النفس يعتريها الأسى من واقع مؤلم ومصير مجهول، تمر به أمتنا، يحمل شعارات ما أنزل الله بها من سلطان).
- إن خطر الإرهاب قائم على العالم أجمع؛ وليس على المملكة العربية السعودية وحدها، ولا على دول المنطقة وحدها، وهذا الخطر الداهم؛ لن يُدحر ويزول؛ حتى تتعاون دول العالم أجمع، على اجتثاثه من أصوله الفكرية، وتجفيف منابعه المالية، وملاحقة شيوخه ودجاجلته من عرب وعجم، ووقف التعامل مع الدول التي تركب موجته، والمنظمات التي ترعى وتغذي أجندته، وخاصة إيران، وحزب الله، والقاعدة، وجماعات الإخوان المسلمين المتشظية في بلدان كثيرة، ومنها دول الخليج العربي..
- مليكنا المفدى -رعاه الله- يقول في كلمته الوثيقة: (علينا أن ندرك بأن خطر الإرهاب؛ لن يتلاشى أو يزول في زمن محدد، لذلك فحربنا ضده ربما تطول وتتوسع، وقد يزداد شراسة وعنفاً كلّما ضاق الخناق عليه، لكننا على ثقة تامة بالمولى جلَّ وعلا، بأنه ناصر الحق على الباطل لا محالة، ديناً ندين الله به، فهو القائل جلَّ جلاله: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}الأنبياء 18، ويقيننا بأنه سيندحر ـ بعون الله ـ كل مخادع خائن لدينه وأمته وإنسانيته).
H.salmi@al-jazirah.com.saalsalmih@ymail.com