لم يجتمع الغرب رغم تباين أهدافه مثلما اجتمعوا اليوم على تقسيم دول المنطقة، وكياناتها، وإعادة رسم خارطة جديدة، ضمن دائرة مشروع «تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ»؛ من أجل الحفاظ على مصالحه، وتحقيق مطامعه؛ ولأن قراءة الأحداث بوعي لا تأتي إلا بفهم سياقاتها الاستراتيجية متكاملة؛ كي نتمكن من كشف حقائقها وتطوراتها، وهو الأمر الذي يتطلبه ميزان العقل، والضمير، والمنطق، بدلاً من الرهان على التقديرات الخاطئة.
إن مشروع تقسيم مصر له عمق تاريخي، وأبعاد عقدية، وسياسية، واقتصادية، وثقافية، وعسكرية.. وما يحدث في مصر هذه الأيام نذير خطر عليها، وعلى مصالحها الاستراتيجية، تمثل - مع الأسف - في توسيع دائرة الاضطرابات الأمنية، وسقوط مئات القتلى، وإصابة آلاف الجرحى.
وفي تقديري، إن بوادر الأزمة ستتحول - والله أعلم - إلى مرحلة تراجع في الصراع، وهو ما ستتوجه إليه الأمور؛ بسبب طبيعة العوامل الداخلية والخارجية، التي خففت حدتها بعد خطاب وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، بأن: «السعودية - قيادة وحكومة وشعباً - وقفت، وستقف دائماً مع مصر، وأن الدول العربية لن ترضى - مهما كان - بأن يتلاعب المجتمع الدولي بمصيرها، أو أن يعبث بأمنها، واستقرارها».
من جانب آخر، فقد حاول مجلس الأمن خلال الأيام القليلة الماضية التدخل في مصر، وتدويل الأزمة المصرية، تارة بحث جميع الأطراف على إنهاء العنف، والتحلي بضبط النفس، وتارة بإيفاد مبعوث لها إلى القاهرة؛ للاستماع لوجهات النظر المختلفة بشأن الأزمة؛ ليبدو أنها عملية استغلال استراتيجي، أتاحت لها حالة الفوضى التي شهدتها الحالة المصرية، مستثمراً التعاطف الدولي، وخصوصاً الحالة الحقوقية، وهو ما أسهم في تغذية الاشتباكات الواسعة بين طرفي الصراع.
الأمر جد خطير؛ يتطلب الحفاظ على العمق العربي والإسلامي؛ لضمان وحدة مصر، ولإفشال مشروع تقسيمها، ولاسيما عندما تأتي تلك المفاصلة في محطات تاريخية فاصلة، تعمل على تعميق خيوط الصراع مرحلة بعد أخرى، وهذا المنحى هو ما عملت عليه السعودية، عندما ساندت السلطة المصرية، ودعمت إجراءاتها ضد العنف؛ لتخفيف الضغوط الدولية والإقليمية على مصر، بل وعرقلتها؛ حتى لا يكون هناك أي عمليات تدويلية ممكنة للأزمة المصرية في مستقبل الأيام القادمة.
من مبدأ السياسة الشرعية، وعين الحصافة العقلية، ألا تنساق بعض القوى الإسلامية لتنفيذ مخططات خارجية، دون إدراك لأبعاد المؤامرة، وما يحيط بمصر من مخاطر استراتيجية، وألا يستدرجوا إلى ما لا تُحمد عقباه، وأن يفصلوا بين الشأن الداخلي والخارجي، ويساهموا في تعزيز الجبهة الداخلية، ويعملوا على عودة مصر إلى سابق قوتها ومكانتها؛ لحماية المنطقة من جهة، وأداء دورها القيادي العربي من جهة أخرى.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية