بما أن مشكلة تملك المسكن حديث الشارع السعودي حاليًّا، كونها أبرز ما يعاني منه رب الأسرة ـ خاصة أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة ـ بسبب تحمل نفقات إيجار يستنزف معظم الراتب طول سنوات الخدمة الوظيفية، وتحدث الطامة الكبرى عندما يتقاعد حيث يجد نفسه وأسرته بلا مأوى، ومن المسلمات أن المسكن حق لِكُلِّ مواطن ليعيش باستقرار هو وعائلته.
ودون الخوض بتفاصيل أسباب مشكلة عدم قدرة تملك المواطنين للمساكن وما يتقاطع مع ذلك من تعقيدات، أرى أنَّه دور المصارف المحليَّة يكاد يكون مفقودًا في المساهمة بحلّ أزمة السكن على الرغم من أن لديها القدرة على ذلك لو أنَّها تخلت عن نسب الفائدة العالية التي تفرضها على الإقراض، ودفعت باتجاه تسهيل القروض طويلة الأجل التي تعتبر ركيزة أساسية لتملك المنازل.
معلوم أن زيادة أسعار الأراضي والعقار الجاهز أيًا كان نوعه له دورٌ كبيرٌ في تفاقم أزمة المساكن، لكن ذلك لا يعني أنَّه مجال غير محفز للاقتراض، إِذْ إن ارتفاع نسبة الفوائد على قروض التمويل العقاري والفائدة التراكمية قلَّل من إقبال المواطن على البنوك كحل مطروح وخيار قائم أمامه، وجعله يحجم عنه إلا قلة، حيث إننا نرى أن نسبة القروض العقارية إلى باقي أنواع القروض الأخرى في الاقتصاد السعودي لا تتجاوز 3 بالمئة فقط، ومعلوم أنَّه كُلَّما انخفضت أسعار الفائدة كان ذلك مدعاة لزيادة الطَّلب على القروض والعكس صحيح.
هناك حاجة لمبادرة من المصارف المحليَّة خلال المرحلة المقبلة بالتركيز على الإقراض التنموي المتمثل في التمويل العقاري والرمي بثقلها تجاه هذا النَّوع من الإقراض، والابتعاد ولو مرحليًا عن تنشيط القروض الاستهلاكيَّة التي سيطرت على دخل المُوظَّف وأصبحت عائقًا أمام الاستفادة من قرض عقاري بسبب تآكل الراتب، وقد تَمكَّنت هذه القروض الاستهلاكيَّة من مفاهيم النَّاس في ظلِّ ما تمارسه معظم البنوك من إغراءات مكثفة لجذب المقترضين، حتَّى أصبحت بعض المصارف تسيطر على القروض الشخصيَّة بالرغم من أسعارها المرتفعة مقارنة بمصارف أخرى.
مطلوب من البنوك أن تطرح أفكارًا خلاقة جديدة في التعاطي مع سوق التمويل العقاري بنفس الحدة والضراوة التي تعمل بها حاليًا في إغراق النَّاس بالقروض الاستهلاكيَّة على حساب الادخار والاستثمار وتضع خفض الفائدة بالحسبان، لأن ذلك سيكون له أثَّرٌ في زيادة حجم القروض العقارية عمليًا وينعكس على انحسار أزمة الإسكان كنتيجة حتمية لهذا الإجراء.
النَّاس مع الأسف يقترضون للاستهلاك ولا يقترضون للادخار، وفي اعتقادي يجب أن تكون البنوك مشجِّعة كثيرًا للتمويل العقاري وتحد من الاستهلاكي، لأن الأخير يتم صرفه في أيام معدودة وفي سلع لا تُعدُّ كونها كماليات أما بشراء سيَّارات جديدة أو أثاث أو سفر أو لربما زواج وغيره، بل إن هذا النَّوع من القروض سرعان ما يجلب معه العبء للمقترض، وذلك على العكس من التمويل العقاري، الذي يجلب معه سلعة «معمرة» تؤمن لصاحبها الراحة والاطمئنان له ولأسرته وذات قيمة، وليست استهلاكيَّة بحتة. وهناك مقترضون لكنهم قلّة من أصحاب القروض الشخصيَّة استفادوا من قروضهم في المجال العقاري، واستخدموا مبلغ التمويل في تسهيل أمورهم في البناء أو شراء شقة أو منزل أو خلافه وهذا هو الأفضل.
a.anazi@al-jazirah.com.sa@alionazi تويتر