|
محمد السهلي - الرياض:
في ظل الصمت الرسمي على ما ستؤول إليه مصير أدوات التمويل الإسلامي، تباينت وجهات المعلقين والخبراء في الشأن المصري حول وزارة المالية وبرنامج صكوكها، وكان الإعلام المصري بمختلف أطيافه بمنزلة الوعاء الذي يجمع وجهات النظر كافة. واستمراراً لتغطياتها السابقة، تقدم «الجزيرة» في تقريرها خليطاً من وجهات النظر، وذلك بعيون الإعلام المصري.
نبدأ بصحيفة «المصري اليوم» التي أجرت لقاء مع المفكر الاقتصادي الدكتور جلال أمين، الذي أشار إلى أن مشروعَي قانون الصكوك ومحور تنمية قناة السويس في «منتهى السوء»، وهما مرتبطان ببعضهما، مضيفًا: «مشروع الصكوك الإسلامية خدعة، ولا علاقة له بالإسلام، والأزهر شعر بعدم وطنية المشروع».
مبالغة شديدة
ونبقى مع الصحيفة نفسها؛ إذ قال الدكتور شريف سامي، رئيس هيئة الرقابة المالية الجديد، إن الصكوك إحدى أدوات التمويل، ولا تحتاج إلى قانون جديد، مشيراً إلى أنه تم التركيز عليها خلال الفترة الماضية بمبالغة شديدة وكأنها ستسهم في جذب المليارات، على حد تعبيره.
وأضاف «سامي» لـ«المصري اليوم»: «كان من الطبيعي أن تتم إضافة الصكوك كمادة ضمن قانون سوق المال، خاصة أنها أداة تمويلية ليس أكثر، ولا تختلف عن المادة الخاصة بصناديق الاستثمار التي تم إلحاقها بالقانون، ولم تثر اهتماماً سوى في وسط المتخصصين بالمجال». مبدياً اندهاشه مما وصفه بـ«الهالة» المصنوعة حول الصكوك، وموضحًا أن الصكوك أداة قد تفضلها بعض الشركات في دول شرق آسيا، وكان لها دور فعال في الاقتصاد التركي؛ وبالتالي لا مانع من تنفيذها بعد إعادة النظر فيها من جانب مجلس إدارة الهيئة.
قانون الصكوك لم يكن مدروساً
وفي التوجُّه ذاته، قال الدكتور عبد الخالق فاروق، مدير مركز النيل للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، إن قانون الصكوك الذي أعدته حكومة الإخوان المقالة لم يكن مدروسًا، ولم يتم إعداده بصورة جيدة، مضيفًا بأن جماعة الإخوان وضعت بموازنة الدولة العامة عددًا من المشروعات دون تنفيذها، وتركت تمويلها للصكوك، حتى تكون مرجحة للحصول على قروض خارجية.
وأشار «فاروق» في تصريح خاص إلى «فيتو» إلى أن الصكوك معروفة دوليًا، وأنها آلية إضافية للتمويل، ولا يمكن إنكارها، إلا أنه لا ينبغي أن تستمر الدولة في بعض سياسات لم تكن ملائمة لها، أو ليست لها جدوى لعدم وضع دراسات دقيقة، إضافة إلى ضرورة أن تكون تلك السياسات مرتبطة بمشروعات إنتاجية على أرض الواقع، وليست محض الخيال أو التوقع.
وأضاف بأن آلية الصكوك حاليًا متروكة لوزير المالية الجديد أو رئاسة الوزراء، لإجراء تعديلات على القانون المقترح بما يتلاءم مع اهتمامات الاقتصاد الوطني المصري، مشيرًا إلى أنه على الحكومة الجديدة عمل حوار مجتمعي لمناقشة التعديلات والسماع لرؤية الخبراء والمتخصصين والأخذ بملاحظاتهم.
الإسلام السياسي والالتباس مع الصكوك
وننتقل إلى وجهة نظر مختلفة نوعاً، وذلك عندما انفردت صحيفة الأهرام بتقرير متميز، توضح فيه اللبس الذي حصل بين الإسلام السياسي وأدوات التمويل الإسلامية، تقول: «تجرى الآن مراجعة قانون الصكوك وفقاً لتصريحات وزير المالية الدكتور أحمد جلال، خاصة في ظل الظروف التي صاحبت صدور هذا القانون وصبغه بالصبغة الإخوانية، التي تعد عائقاً لتطبيق قانون الصكوك على أرض الواقع». وأجرت الصحيفة مقابلة مع عبدالرحمن طه، خبير اقتصادي، الذي ذكر أن منظومة الاقتصاد الإسلامي بصفة عامة لا علاقة لها بالإسلام السياسي من قريب أو من بعيد، على الرغم من العوائق التي شهدها في عدم ظهوره كاقتصاد مواز للاقتصاد التقليدي قبل ثورة يناير، وكذلك ما شهده من ظروف مريبة في ظل حكم الإخوان، وشاهد ذلك تفوق العديد من الدول الآسيوية مثل ماليزيا، ودول أوروبية مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وأمريكية مثل كندا، في مجال التمويل الإسلامي.
ووفقاً لوكالة رويترز «يرى البعض أن الصكوك كأداة مالية تعرضت لظلم تحت حكم الإخوان؛ إذ ربط البعض بين الصكوك والأداء السياسي للتيار الإسلامي. وفاقم هذه المخاوف وجود صياغات مرنة بالقانون تسمح باستعمال أصول الدولة كضمانة لإصدارات الصكوك».
وقال مدير في بنك مصر للمعاملات الإسلامية، طلب عدم نشر اسمه من قِبل الوكالة الدولية: «لا بد أن نفصل السياسة عن الاقتصاد.. الصكوك والتمويل الإسلامي منتج تجاري، لا علاقة له بمجريات السياسة». وأضاف «بريطانيا ليس بها تيار إسلامي (لكن) بها خمسة بنوك إسلامية، أي أكثر من مصر بلد الأزهر».
الاختراع الإخواني
صحيفة الشروق المصرية نقلت تصريحات عن أحمد الجبالي، الذي حاول في تصريحه الصحفي التفريق بين الإسلام السياسي وأدوات التمويل الإسلامية؛ إذ يقول: «أندهش جداً من تساؤل يتردد بين البعض حالياً عن أن مصر ستستمر في مشروع الصكوك بعد سقوط حكم الإخوان، فهل الصكوك اختراع إخواني؟». موضحاً أن الصكوك أداة مالية لها طرق محددة في تنفيذها مثل الإجارة أو عقود المشاركة، وأن هناك دولاً غير إسلامية تستعين بالصكوك إذا وجدت أنها يمكن أن تستفيد منها. وبالرغم من تأكيد الجبالي عدم الارتباط المباشر بين استمرار الإخوان في السلطة والعمل بنظام الصكوك فإنه أكد أنه «إذا طلبت المالية استئناف العمل في الصكوك حالياً سأطلب تأجيلها لحين عودة الهدوء إلى الشارع المصري الذي لم يتوقف عن الغليان، وكل يوم في ناس بتموت».
الصكوك المفترى عليها
الكاتبة نيفين ياسين خرجت بزاوية صحفية متميزة. تقول في زاويتها الاقتصادية المنشورة بصحيفة «الوفد» المصرية: «لا شك أن المجموعة الاقتصادية أصبحت الآن في موقف محرج، خاصة أن أهم أسباب غضبة الشعب على النظام المعزول كان تردي الأحوال المعيشية للمواطنين، وعدم شعورهم بأي تحسن في مستوى حياتهم. الآن بات على المجموعة الاقتصادية الحالية والمنتقاة بعناية، حتى أن رئيس وزرائها أحد رجال الاقتصاد الأكفاء، أن تتوصل سريعاً لبداية الطريق المؤدي لتحسن مستوى المواطن، والخروج من الأزمات الاقتصادية بأسرع وقت، وهذا أمر صعب جداً في ظل الظروف الحالية. لكن هناك بعض القنوات التي يمكن أن تساعد في التحسن التدريجي للاقتصاد، خاصة أن المساعدات الخارجية كافة، التي تعد بمنزلة عملية نقل دم، لإحياء اقتصاد أوشك على الموت، إلا أنها ليست الطريق الرئيسي الذي يمكن الاعتماد عليه، ولكن هناك قنوات أخرى، منها الصكوك ومشروع القانون المنظم لإصدارها، هذا المشروع الذي امتزج بنوع من الريبة والشك لدى كثير من أطياف الشعب حتى أن البعض اعتبرها وسيلة لبيع مؤسسات وأصول الدولة حين طرح على يد المسؤولين في النظام المعزول، ولكن بعد خروج الإسلاميين من الحكم نحتاج إلى تغيير النظرة إلى الصكوك، خاصة أن هذه الأداة الاستثمارية حققت نجاحات عديدة على مستوى دول العالم».
وتتابع الكاتبة الاقتصادية بقولها: «من المعروف أن الصكوك ما هي إلا أداة كغيرها من الأدوات، مثل أذون الخزانة والسندات، تساعد على خفض عجز الموازنة وتمويل المشروعات الإنتاجية، والسوق المصرية في أمسّ الحاجة لإضافة أدوات استثمارية جديدة للسوق لجذب مستثمرين، وبث روح التفاؤل لديهم، وضخ سيولة في السوق.
وللأسف، إن تسييس الصكوك تم لانعدام الثقة في النظام السابق، لدرجة أن البعض اعتبروها أداة أخرى للخصخصة وبيع مؤسسات الدولة الحيوية؛ لذلك بات من الضروري التمهيد للمواطنين لهذه الأداة الجديدة على السوق المصري, وإشراك الأزهر في مشروع القانون المنظم لعملها، وعمل العديد من التعديلات التي يحتاج إليها القانون، والابتعاد عن إلصاقها بكلمة إسلامية؛ فقد كان هذا التصرف إحدى حماقات النظام المعزول.
فهي أداة استثمارية مطبَّقة في العديد من دول العالم، وتمثل أوراقاً مالية يتم التداول عليها في البورصة بما ينعش السوق، ويضيف شريحة جديدة للتعامل على هذه الورقة الجديدة، كما أنها توفر قناة استثمارية، يمكن أن تمتص فوائض السيولة لدى البنوك العاملة في السوق المصرية، ويمكن أن تساعد في تمويل المشروعات، وتمويل عجز الموازنة».
وتختتم الكاتبة نيفين زاويتها بقولها: «وفرص نمو الصكوك في السوق المصرية يتوقف على قرار الحكومة في اعتماد هذه الأداة الاستثمارية في السوق، وخلق البنية التشريعية الملائمة لها أو تأجيل العمل بها.
فكل اللغط الذي حدث حولها خلال الفترة الماضية عائد إلى انعدام الثقة في النظام الحاكم، وإصرارهم على تمرير القانون بأي شكل، والترويج الخاطئ له، ومحاولة إقناع الشعب بأنه سوف يضخ نحو 200 مليار دولار، وهذا كلام عار تماماً من الصحة، وليس له أي أساس، فالمستثمر يقيس عنصر المخاطرة عند توظيف أي أموال له في الأداة الاستثمارية».