كان هناك رجل ثري وليس له غير ابن واحد، فأوصاه بأن يختار زوجة محترمة من أسرة كريمة، على أن تكون بكراً لم تتزوج قط، لعلمه أن ولده فيه بعض النقص، وأن الثيب أعرف بنقائص الرجال من خلال التجربة.
ولكن الولد اختار امرأة ثيبا وقد كتم الأمر عن والده لفرط محبته لها.
ولما تم الزواج كان الوالد يسأل ابنه عن محبتها له، فكان الولد يبالغ في محبتها له ويبالغ في الثناء عليها حتى اغتر الأب بها.
حينئذ أخرج الأب خزينته ودفعها أمانة بيد زوجة ابنه وقال هذا مالي وماله لك ولابني وأولادكما، فاحرصي عليه ولا تخرجي منه إلا قدر الحاجة ولا يعلم ابني به لأنه لم يجرب الأمور، فإذا تأكدت من حسن تدبيره فادفعي له الخزينة.
قال هذا بعد ما كبر وأمسى ظلاً على الحائط، فلما توفي الأب كتمت الخزينة لأنها مضمرة الخيانة مسبقاً، ولأنها غير مستقيمة منذ البداية بل كان لها خدين تنفحه من الخزينة. ولما أحس الزوج بالعوز نصحته زوجته الخائنة بالعمل والحرفة وقد كبر عليه ذلك لأنه من بيت ثراء ولم يستطع أن يتصور نفاد ثروة أبيه بهذه السرعة، وأمام الواقع اضطر إلى مغادرة بلده ليحترف عند ما لا يعرفه، إلا أن أحد أصدقاء والده عرفه في البلد التي تغرب إليها واستبعد نفاد ثروة الأب نفاداً يقتضي من الولد الحرفة، وبعد أخذ ورد بينهما وإلحاح من صديق الوالد في التعرف على أخباره كما هي مقتضيات العشرة والصداقة قص عليه كل شاردة وواردة بما في ذلك قصة مشورة الأب بزوجة صالحة بكر وكتمان الولد ثيبوبة زوجته، فخطر ببال الصديق دوافع مشورة الأب وقال للولد الخلاص عندي - إن شاء الله - وسأعمل لك حيلة تكون سبباً في استخلاص ثروة أبيك.
سأعقد لك على بنتي عقد الزواج بشرطين:
أولهما: أن تكون العلاقة بينكما مجرد عقد فلا تقربها حتى ترجعا إلي من مهمتكما.
وثانيهما: أن تصبغ بنتي بالسواد وتدعي الصمم وأنها خرساء وأن تدعي أنها خادمة لك لكي تعيش بين الولد وزوجته الخائنة وتعرف أسرار البيت.
نفذ الولد الشرط الثاني من شرطي صديق والده وكشفت البنت علاقة الزوجة بصديقها ورأت الخزينة التي تسحب منها المال لصديقها وأخبرت الزوج بذلك.
حينئذ قال الولد لزوجته سأبيع بيت والدي لنتوسع بثمنه ونرحل إلى بلد آخر لأن الظروف المالية لم تساعدني في هذا البلد، فأبت مغادرة بلدها فقال إذن إذهبي إلى أهلك أما البيت فلا بد من بيعه.
ولما رأت تصميمه أوصت صديقها بشراء البيت مهما كان ثمنه لأجل الخزينة المخبأة فيه فاشتراه في المزاد العلني بما يساوي قيمته وقيمة المسحوب من الخزانة وقبض الولد القيمة، وقد كان استخرج الخزينة من البيت قبل ذلك وسريا ليلاً عائدين إلى الذي لقنهما الحيلة وأثناء الطريق نسي الشطر الأول وأفضى إلى البنت وأخبراه قال له لقد أخللت بالشرط الأول وعقوبة ذلك ما اشترطت عليك أن أقطع يدك بهذا السيف فعليك أن تخرج يدك من هذه النافذة.
فأشفقت البنت على الولد وقالت له أنت رجل يعيبك قطع اليد ويلحق بك التهمة أما أنا فلا يعيبني ذلك وأخرجت يدها مكانة فعرف الأب يدها، ولما ناقشها ذكرت له المسوّغ لفعلتها، فاتجه بالكلام إلى الولد وقال لو اعتبرت بوصية والدك لما حصل لك ما حصل والآن عرفت الواقع فاختر ما تشاء.
فأمسك بزوجته الجديدة وعلم علم اليقين أنها الأنموذج الذي أوصى به والده.
سعود بن بدر المقاطي - من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية: منديل الفهيد.