سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة - الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:
قرأت مقال (الغضب وآثاره السيئة) لكاتبه الأستاذ سلمان بن محمد العُمري في العدد رقم (14876) وقد أثار شجوني ذلك، حيث نغضب، فتتحوّل الأمزجة والشخصيات وتتبدّل آراؤنا حول معاشرينا والمحيطين بنا، نلتبس غشاءً أسود يغلف أعيننا فلا نبصر إلا سواداً، ولا نرى إلاّ قبيحاً ولا نستعيد من الذكريات إلاّ أسوأها.
ترتحل الذكريات الجميلة والخصال الحميدة في عالم النسيان، ثم تشتعل نار الغضب ملهبة معها وقود الانتقام والحقد والضغينة مشعلة الفتنة، تحثنا على القيام بتصرفات هوجاء ليست من طبيعتنا ولا نتبنّاها في حياتنا عامة.
الغضب تلكم الصفة السيئة التي تحيل الحياة من حقول وزهور غنّاء وجداول حب وراحة وغبطة إلى صحراء مقفهرة وجفاف قاتل.
الغاضب الذي عجز عن السيطرة على غضبه، كمن طاف بخياله وفكره فأصبح ينتقل في القبور ويمشي بين الجيف والجثث، هو ذلك الإحساس المخيف والحيرة التي تسكن فؤاده، هذا المشهد الذي يحدث في جزء من الدقيقة، هو من أصعب المواقف الذي حدثنا عنه الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال: «ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
نحن لا نمتلك أنفسنا حين الغضب نفلت زمام أمورنا فنخرج من دائرة المنطق والعقل إلى دائرة نارية، تحوي شعلات حارقة تحرق علاقتنا الاجتماعية والأسرية، تحول سماءنا وطبيعتنا الجميلة وترسم لنا صورة مشوهة عن أنفسنا وتخرج أسوأ ما فينا، تزول سحابة الغضب مخلّفة خلفها آثاراً شنيعة وخسائر جمة، نحن الغضبى من يتجرع ويلاتها نعاني فيها من فقدان الهوية وضياع الهيبة واستصغار الذات التي جاهدنا قبلاً في تهذيبها وتسييسها على القيم والخلق والنبل وخلال ذلك فقدنا قيمتنا.
سارة الضفيان - الأخصائية النفسية