وإنْ حدث أن أنختَ به جانبَ الصّمتِ، لن تجده إلاّ متململاً، شَنِـفا...
القلم الذي ينبض لا يغفو، لا يريح، ولا يستريح..
ومن ثمَّ فهو قارعٌ فوق بؤرة الغفوة، و هروب اللمحة..
هكذا هو قَلِقٌ..، ويُقلقُ..
فائضٌ بما يهدر في جوفه، ويُغرق..
عاتبٌ على قسره الصّمتَ فينطقُ..
جلَّ وقته في النأي أنه لا ينأى، وعند الصّمت لا يسكت...
عجيبٌ أمر القلم في إقلاق صاحبه..، فهو ليس المحمولَ، ولا الموضوعَ، ولا المهمشَ، ولا المنسيَّ حين يكون القلم هو عينك، وسمعك، وحسّك، والحنطة تنسربُ لرئتيكَ، وتخرج برغيفها...
أنت، وإنْ كنت بعيداً عن عامّتك، وخاصّتك من مريدي قلمك لبرهة، وإنْ طالت، أو قصرت، فأنت في أتونِ حميمِ هذا القلم الذي هو ليس معدناً فيُصهر..، ولا خشباً فيُبْـرد..، ولا ماءً فيتبخّر..، ولا رملاً فيُذرُّ..، ولا هواءً فيرسَل..، وإنما هو أنت، ومنك عجين قلبك، وعقلك، وحسّك، وعقلك، بل جلدك، ومسامك، وأنفاسك..
يا الله من هذا القلم، لا تجفوه فتفقدُ نفسَك، لا تغيبه فتضيِّعُ وعيَك، ولا تجعله خارجاً عنك، فتجدُك تائهاً، حائراً تتخبّط كما الجناح المنفصل عن جسد الطائر، أو الزعانف المبتورة عن جسم السمكة...
القلم حين يكون أنتَ، فهو حياةٌ تسري فيكَ، وتسري بكَ.. وتسيران معاً..
والرّمقُ لا يزال يتنفّس..، والعيشُ روحٌ تدبُّ بالحياة..
إذن فالقلم شارته أنك لا تزال تعسُو في الحياة ليلَها المظلمَ..، وتدبُّ في النهار يومَه المنسرحَ...، وفيهما همومه الثقيلة، وقلقه المفعم..
ولأنّ الإنسان لم يُخلق عبثاً، لا للهوٍ فيسرِفُ، ولا لإهمال فيسدُرُ.. فإنّ مدارَ الحياة مسؤوليةٌ، وما أصعب مسؤولية من قلمه حياته، وقلمه دوره، لسانه وجنانه، عقله ونيّته...
أسفا، هناك غالبية لم يجعله في مكانه، ولم يحفظ له وقاره..، ..
نسى أن قد أقسم به الله تعالى في محكم كتابه، وأنّ نون الأبجدية واسطة عقد هذا القسَم..
فكيف، وما الذي يكون من نعمة الله هذه..؟
إنه القلم ..،
وإنه أحد أهمّ نِعَم الله بخلقه..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855