يغلب على الكثير من العظماء والكبار قدرًا ومقامًا الهدوء والبعد عن الضجيج، وكثرة العمل وقلة الكلام، والنماذج تصعب على الحصر عبر التاريخ. وبرغم ما تمر به الأمة حالياً من تأخر وتشتت وضعف عام في معظم المجالات إن لم يكن كلها، فإنها تأبى إلا أن تنجب كبارًا وعظماء ولو قل عديدهم، سواء كانوا مخترعين أو أطباء،مفكرين أو علماء شريعة، أدباء أو ساسة.

فما بالك بمن جمع بين أكثر من لون من ألوان العظمة، بين علو الهمة والبذل من نفس كريمة نبيلة، بين الطب والإحسان، وبين الدعوة الى توحيد الله ونبذ الجهل ، سائحًا مغامرًا وفاتحًا للقلوب قبل المدارس والأكواخ والمصحات.

يروي هذا الرجل الفذ الدكتور عبدالرحمن السميط أنه قدم على إحدى القبائل في إحدى دول أفريقيا وكانوا في حال قحط وانقطاع للمطر، فذهبوا الى شجرة مجتمعين وهو يراقبهم وبدءوا بالتضرع تحت هذه الشجرة، وكان أن أحضروا معهم كيساً من القماش مربوطاً وبه شيء ما بداخله وعلقوه بأحد أغصان الشجرة، وبعد تضرعهم ودعائهم بطريقتهم، بدأ المطر ينهمر عليهم ويسقي أرضهم العطشى. وبحكمته وهدوئه وسعة أفقه سألهم الدكتور السميط عما بكيس القماش ذاك الذي علقوه بغصن الشجرة ثم دعوا وتضرعوا؟، فأجابوه بأنها بقايا من أجدادهم يتبركون بها، فاستأذنهم أن يفتح الكيس ليرى ما بداخله فأذنوا له، فلما فتحه وجد ما بداخله قصاصات من مصحف قديم!، وهم يجهلونه أو قد نسوه مع تقادم الزمن ومرور أجيال عقب أجيال، ولضعف التعليم أو قل لانعدامه وضيق ذات اليد. فما كان من الدكتور السميط إلا أن أخبرهم بحقيقة هذا المصحف وكتاب الله، وإذا بالجينات الإيمانية تتحرك وتنشط في قلوبهم فتعود الى دين الحق بحكمة هذا الرجل التي آتاه الله، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا.

لقد تنقل هذا العملاق بين مجاهل وغابات ودول أفريقيا وعايش شعوبها على مدى ربع قرن وساكنهم وأكل وشرب معهم، وبالطبع تعرض لمخاطر عظيمة كادت تودي بحياته في حوادث كثيرة، منها تهديد بالقتل ومطاردات من عصابات ومليشيات، ومنها مخاطر طبيعية وصحية، حتى أنه تعرض مرة لهجوم أسد ضارٍ وكتب الله له النجاة في شجرة كان بقربها فتسلقها بسرعة ونجا من موت قريب.

عدا عن الأمراض التي ألمت به من ارتفاع ضغط الدم الى السكري، فإصابة في العين والقدم وغيرها من أمراض عديدة لم تثنه عن رسالته وانسانيته، سأله مواطن كويتي مرة في لقاء إذاعي قبل سنوات (لماذا تركز جهودك في أفريقيا وما العائد من وراء ذلك طالما أفريقيا قارة عصية على الإصلاح وتفتقد لأسس الحضارة ؟!). فرد عليه بأن شعوب أفريقيا بشر مثلنا وكونهم يعانون المجاعات والجهل والإهمال فلا يعني ذلك تركهم ونسيانهم، وقد تنهض أفريقيا فتنتج حضارة في قادم الزمان. جواب ورد يكشف عن نفس سامية شفافة وهمة لا تلتفت لتثبيط ضعيف أو ضيق خلق وأفق.

حقاً للكويت أن تفخر بهذه الشخصية النادرة، ولعل تسمية أحد شوارع الكويت باسمه أقل ما يكرم به، وإن كان قد نال جائزة الملك فيصل العالمية قبل سنوات، هذا الرجل الشريف نسبًا وقدرًا والمتحدر من أسر حضرموت الشريفة فلا يُستغرب عليه ومنه هذا المجد الذي ناله، ولم لا وقد أسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص، في طول القارة وعرضها، هو سليل تجار حضرموت الذين نشروا الإسلام في أفريقيا وآسيا بأخلاقهم وأمانتهم وتعاملهم التجاري النظيف. رحمك الله يا دكتور عبدالرحمن، وأن أمة تنتمي أنت لها لتفخر بك وبانتمائك، وإن كانت لائحة الشخصيات الأكثر تأثيرًا قد غاب عنها اسمك فقد كتب على صفحة السماء. والله يرعاكم بعينه التي لا تنام.