قبل أيام صدر تقرير عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية يفيد بأن الصين ستصبح أكبر مستورد للنفط في العالم اعتباراً من أكتوبر القادم وأن حجم استهلاكها اليومي سيصل إلى 11 مليون برميل يومياً.
وبالرغم من تراجع معدل النمو بالناتج الوطني الصيني من متوسط عشرة بالمئة لعدة سنوات الى سبعة بالمئة حالياً لكن الارتفاع باستهلاكات الطاقة لدى الصين بقي الأعلى عالمياً، فهي أكبر مستورد للسيارات والطبقة الوسطى لديها تزداد كجزء من إصلاحاتها الاقتصادية الرامية الى رفع تأثير الاستهلاك الداخلي بالناتج المحلي وتقليص دور التصدير فيه مع المحافظة على مركزها الأول عالمياً بالصادرات. وهذا يعني أن معدلات نمو الناتج الوطني ستبقى عالية وهي الآن تفوق ثمانية ترليونات دولار كثاني دولة بعد أميركا التي يقارب ناتجها ضعف الناتج الصيني لكن بمعدلات نمو ضعيفة ومديونية عالية ونسبة بطالة مرتفعة ومعدلات تضخم منخفضة كدليل على بطئ النمو الاقتصادي رغم كل خطط التحفيز التي نفذت منذ خمس سنوات بعد الأزمة المالية العالمية التي كانت أميركا موطن شرارتها الأولى الا أن تراجع استيراد أميركا للنفط يعود أيضاً لتطور إنتاج النفط الصخري والذي تطمح أن تتحول مستقبلاً لمصدّر للنفط إلا أن استهلاكها بقي عند مستويات 18.7 مليون برميل يومياً متراجعاً من مستويات 20 مليون برميل قبل قرابة سبع سنوات.
وبالحديث عن قطبي الاقتصاد العالمي الأبرز حالياً فإن التنافس الصناعي سيكون بارزاً خلال السنوات القادمة خصوصاً أن أميركا تسعى للتقدم بنمو إنتاجها الصناعي باعتبار أن الطاقة المنتجة محلياً سترتفع، وهذا سيعزز تنافسيتها ولحاجتها للحصول على حصص تصديرية أعلى عالمياً الأمر الذي يسهم بفتح فرص عمل واسعة، كما أن انخفاض تكلفة المنتج الصيني لن تبقى على حالها فتكاليف الطاقة والأجور سترتفع أكثر، وكذلك قيمة العملة أمام الدولار أيضاً، وهذه عوامل يقابلها تعدد أقطاب صناعية حالية وقادمة مستقبلاً مما سيؤثر على الريادة الصينية التنافسية الحالية سلباً. إلا أن الفوارق الكبيرة بين حالتي اقتصاد الصين وأميركا لصالح الأولى، لكن إنتاج الفرد الأميركي يتفوق على نظيره الصيني بحوالي سبعة أضعاف عند الأخذ بعين الاعتبار حجم الناتج وعدد السكان لدى الدولتين، لكن كل ما ذكر لن يعطي الفرصة لأميركا لتحافظ على صدارتها الاقتصادية العالمية خلال العقدين القادمين بل إن دخول منافسين عالميين كالهند سيزيد من المصاعب التنافسية لأميركا مستقبلاً.
هذه العوامل والتحديات كانت ضمن توقعات لدراسات وخطط استراتيجية أميركية، أي أنها ضمن التوقعات ومنذ سنوات طويلة ولعل أشهر منظر استراتيجي بريجنيسكي وهو مستشار سابق للرئيس كارتر قد كتب الكثير عن هذه التحولات ويرى هو وغيره أن التمدد الأميركي بمناطق محددة عالمياً هو السبيل لمحافظة أميركا على ريادتها العالمية وتحديداً في الاقتصاد، ولذلك بدأت أميركا بتغييرات كبيرة في أولويات سياستها وتوجهاتها الخارجية نحو مناطق جديدة لتبني تحالفاتها حيث تستوعب هذه المناطق حجم استثمارات ضخماً وتوفر فرص تبادل تجاري ضخمة معها، وإذا كانت قد بدأت بتوسيع علاقاتها بأستراليا وبعض دول آسيا إلا أن أغلب الدراسات تشير لتوجهها نحو منطقة الحزام الأوراسي والذي يشمل دولاً مثل طاجيكستان وأوزبكستان وتركيا وإيران إضافة لدول أخرى أغلبها كانت منضوية تحت الاتحاد السوفييتي وتحوي هذه الدول على ثروات باطنية كبيرة وتحتاج الى استثمارات ضخمة وتعد دولاً واعدة لحجم تبادل تجاري كبير لحاجاتها التنموية ولعدد سكانها الضخم الذي يقدر بحوالي 400 مليون نسمة.
ومع استقرار العلاقات الأميركية مع منطقة الشرق الأوسط إلا أن عيونها تتطلع لمناطق جديدة لتفعل دورها الاقتصادي فيها من جهه ولقطع الطريق على منافسيها الكبار بالوصول لتلك الدول قبلها، ولكن يبقى وبحسب الخبراء الأميركيين الاستراتيجيين العلاقة مع أوروبا هي العمود والركيزة الأساسية التي ستبقي عليها قوة رائدة حيث تتمتع بأكبر تعاملات تجارية معها إلا أن تحولات الاقتصاد العالمي تفرض نفسها على أميركا خصوصاً أن لديها إمكانيات كبيرة تفوق منافسيها بكثير وعلى رأسهم الصين لتكون صاحبة السبق لعلاقات واسعة مع مناطق نمو اقتصادي قادمة بقوة خلال هذا القرن.
إن ما يحدث بالاقتصاد العالمي من تغييرات كبيرة ومتسارعة تتطلب نظرة استراتيجية جديدة من قبل المملكة ودول الخليج التي تتمتع بقوة مالية ممتازة وتتوسع في تجارتها الخارجية لتوجه بوصلة استثماراتها وعلاقاتها نحو مناطق نمو اقتصادي قادمة بقوة من خلال بناء علاقات شراكة تجارية استراتيجية بحسب حالة ووضع كل دولة وإن كانت أستراليا تعد الأبرز لما فيها من ثروات ومساحات زراعية واسعة واستقرار سياسي يضمن سلامة وأمان الاستثمارات فيها.