بعد فض اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة يتأكد للعالم العربي أن بلاد العرب لم تتقدم خطوة واحدة بل تراجعت خطوات، لم نتعلم إعلاميا منذ حرب 67م كيف تدار الحروب إعلاميا وأين يقف الإعلامي العربي في أي المربعات والخطوط.
ما حدث صباح يوم الأربعاء الماضي يوم فض الاعتصامات انقسمت المحطات العربية إلى فريقين واحدة مع الاعتصام والأخر مع فض الاعتصام بالقوة. تحول فيها الإعلامي العربي عبر المحطات والفضائيات من مراسل صحفي إلى طرف مشارك في النزاع وبدأ يخلط ما بين الخبر والرأي ومواقفه الشخصية، ينقل الأحداث بعقل المشارك وعقل الحزبي وعقل الفصيل، يتحدث بلغة نحن وهم ونسي مهنته وأخلاقيات المهنة وأساسيات العمل الإعلامي بأن ينقل الحدث كما يشاهده ويبتعد عن التحليل الشخصي ورأيه الخاص والفصيل الذي ينتمي إليه... يفتعل المبررات ويضخم في الصورة والحالات رغم أن لا منتصر في المواجهات القاتل مصري والمقتول مصري والضحايا الأبرياء في كل شبر من أرض مصر.
إدارة المحطات الفضائية انتهجت أسلوب (ليس منا من يحايد) فلا بد من العسكرة التجييش لأحد المعسكرين تحولت المحطات إلى طرف في النزاع وغيبت المهنية وتقاليد العمل لتدافع وتنافح وتتشدد باتجاه معسكرها حتى المحطات العالمية الناطقة بالعربية استحوذ عليها الشخصيات الإعلامية ذات الهوى والانتماء السياسي وأصبحت هي الأخرى طرفا في النزاع.
غابت الحقيقة المجردة, التي تنقل الحدث كما تشاهده دون تدخل رأي المراسل أو توجهات المذيع. قد لا نجد إعلاميا مجردا أو كما يقال (صاحب الدم البارد) لا يتفاعل مع الأحداث الساخنة وسيلان الدم في الشوارع لكن هناك العديد من الإعلاميين الشرفاء الذين ينقلون الأحداث كما هي، وينتمي إلى المهنة من حيث النقل الأمين وذكر الحقائق والمصداقية في نقل الحدث. وحتى لا تفقد المحطات العربية وطاقمها الإعلامي ومراسيلها احترامها ومصداقيتها عليها أن تفلت من دائرة التجييش ولا ترتمي في أحضان الفئوية فهي ليست مضطرة إلى الفسطاطية لأن الأحداث متغيرة والآراء السياسية متقلبة والمواقف متحولة، وفي العالم العربي هناك تحولات سريعة وبخاصة في مثل الحالة في مصر، حتى أمريكا التي تدير سياسة العالم بميزان الذهب وقفت على شفير الأحداث فهي مع العسكر والاخوانية ومع الديمقراطية ومع فض الاعتصام الناعم، ومتحدثها الرسمي في كلمته عصر الأربعاء وقت المواجهات يتنقل بين الحبال ويقفز وينحني مع الانحناءات في حين أن محطاتنا العربية سجلت موقفا مجانيا وخسرت متابعين واكتسبت غضبهم بلا مبرر فهذا صراع داخلي لا يستطيع الإعلامي أن يغلب فيه أحد على الآخر، وأن من قتل لم يأت من بلاد ما وراء البحار انه مواطن مصري تعرفه جيدا ترع النيل والطمي اللين في ضفتيه, وحقول الذرة والغيط الرطب, وأملاح البحر المتوسط وخلجان البحر الأحمر, وذرات رمال سيناء, تعرفه مصر الطيبة بكل صعيدها وريفها الزراعي, رحم الله من قتل وأعاد الطمأنينة لهبة النيل ولمصر الطيبين.