مساء يوم الخميس الموافق 8-10-1434هـ وأثناء وجودي في (ديوانية جدة) بجدة، انبرى المشرف العام على الديوانية الأخ الكريم (حامد العرفج) معزياً الجميع من مختلف الأطياف ، بفقد رجل ، نذر نفسه للدعوة إلى الله في القارة السمراء (أفريقيا)، إنه الداعية الكويتي الدكتور عبدالرحمن بن حمود السميط (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته) المولود في الكويت عام 1947م، في الحقيقة لا أعرف الرجل ، إلا من خلال نافذتين اثنتين (الأولى) من خلال (مجلة الكوثر) التي يرأس تحريرها هو بنفسه، والتي تكرم المسئولون عنها بتزويدي بأعدادها منذ أكثر من عشر سنوات ونيّف ، وحتى هذه اللحظة ، دون توقف ، وكنت أقف بنفسي من خلال هذه المجلة ، على النشاطات والجهود الدعوية الكبيرة التي يقوم بها هذا الرجل (الهمام) في الولايات والقرى الأفريقية ، والتفاف المعدمين والفقراء والمحتاجين حوله وهو يشملهم بابتسامته اللطيفة و(الثانية) من خلال تلك المعلومات الثرية ، التي زودني بها مشكوراً أخي الصادق (حامد العرفج) عن هذا العلم الداعية، سواء كانت شفهية أو مدونة، جهود كبيرة وشاقة لهذا الداعية الدكتور عبدالرحمن السميط ، لا تقف أمام الطرقات العسيرة، ولا يحدها ويمنعها خوف أو بعد مسافة ، نشاط هذا الداعية ، نشاط واضح للملأ ،لا يخرج عن إطار الدعوة إلى الله ورعاية شئونها، ومن أجل ذلك، لم نسمع أن تعرضت جهوده لمحاصرة أو متابعة من جهات، تتتبّع وتعترض عادة سبيل الدعوة إلى الله أو القائمين عليها ، كما كنا ولا نزال نرى ونسمع، وما ذلك إلا نتيجة إخلاص وصدق هذا الداعية في هذا المجال، وهو ما تميز به في كل تحركاته.
الداعية السميط، بسيط في هيئته وتعاملاته مع المسلمين الجدد ، يعد من أبرز المطبقين لفقه الدعوة في العصر الحديث، أجمعت التقارير ، على أنه أسلم على يديه أكثر من (11 مليون) شخص في إفريقيا ، وأنه قد بنى حوالي (5700) مسجد ، وحفر حوالي (9500 بئر) وأنشأ (860مدرسة) و ( 4جامعات) و (204) مراكز إسلامية بعد أن قضى أكثر من ( 29سنة) وهو ينشر الإسلام بطريقة محببة في القارة السمراء، وقبل أن يصبح ناشطاً في العمل الخيري، كان طبيباً متخصصاً في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، وطب الجراحة ، كان زميلاً في مقاعد الدراسة للدكتور محمد الفقيه ، طبيب القلب السعودي المعروف.
نال الداعية السميط رحمه الله ، عدداً من الأوسمة والجوائز والدروع والشهادات التقديرية ، مكافأة له على جهوده في الأعمال الخيرية ، ومن أرفع هذه الجوائز (جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام) والتي تبرع بمكافأتها - 750 ألف ريال سعودي - لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء إفريقيا ، ومن عائد هذا الوقف ، تلقت أعداد كبيرة من أبناء أفريقيا تعليمها في الجامعات المختلفة.
نال ثقة ولاة الأمر في الكويت الشقيق ، وثنائهم المطرد على جهوده ، ومنحهم إياه الشهادات التقديرية المعبرة عن رضاهم عن الرجل ، ودعمهم الصادق للدعوة إلى الله على بصيرة.
تعرّض هذا الداعية الكبير لمحاولات قتل مرات عديدة من قبل المليشيات المسلحة في أفريقيا ، بسبب حضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين ، حيث قضى ربع قرن في أفريقيا ،إضافة لما تعرض له من مخاطر أفاعي الكوبرا أكثر من مرة في أدغال أفريقيا ، وكان قد تعرض للأذى والسجن والتعذيب من قبل حزب البعث العراقي ، وخاصة إبان الغزو العراقي للكويت ، وكان يعود لبلده الكويت فقط للزيارة أو العلاج.
يصر رحمه الله في المضي في هذا المشوار الدعوي ، حتى في أواخر سنيات عمره ، فهو شيخ كبير ، ظهر بياض شعره ، وبدأ يعاني من صعوبة في حركته وتثاقل أقدامه ، فضلاً عن إصابته بالسكر وبآلام في قدمه وظهره ، وأمراض أخرى.
تدهورت صحته منذ العام الماضي ، وقد شاع خبر وفاته أكثر من مرة ، وهو حي يرزق ، حتى اختاره الله بجواره هذه الأيام ، هذا النجم الآفل ، الذي ترك الدنيا والسياسة خلف ظهره ، وتوجه لربه ، لم نره يوماً من الأيام ، محبا للإعلام ووهجه المحرق ، راكضاً خلفه ، لم نره يقف راكبا دبابة أو خيلاً ، ينتظر أحد المصورين ، ليلتقط له صوراً يحتفظ بها في ألبومه ، لم تسجل له فرقعة واحدة ، تحسب عليه.
أحسب أن الأمة الإسلامية ، فقدت ، بفقد هذا الداعية ، واحداً من ألمع رجالات الدعوة الإسلامية الوسطية في هذا العصر الحديث ، فقدت من نذر نفسه لخدمة الإسلام والمسلمين على المنهج الوسطي ، رحم الله الداعية الكويتي الكبير الدكتور (عبدالرحمن بن حمود السميط) وأسكنه فسيح جناته، وجزاه الله نظير ما قدم خير الجزاء ، هذه دعوة مخلصة لدعاة اليوم في كل مكان بأن ينظروا إلى منهج هذا الداعية المعاصر، الذي هو في الحقيقة (رجل في أمة) ويتصوروا إخلاصه لدينه ، وصدقه مع مهنته الشريفة.
بقي القول ، أحسب أن هذا الداعية ولا أزكيه (رجل في أمة) مثال يحتذى ، قدوة في أفعاله ، وأعماله ، وتحركاته الدعوية ، وهكذا يكون الدعاة... ودمتم بخير.
dr-al-jwair@hotmail.com