** يكثر الحديث حول غياب الادخار كثقافة مجتمعية وأسرية، الأمر الذي أهدر نسبة ليست قليلة من مدخول الأسر، وتتفاقم المشكلة وتصعب معالجتها حين يفقد رب الأسرة ما يقرب من 60% من دخله الشهري بإحالته إلى التقاعد. وفي هذه المرحلة من العمر -وبعد فوات الأوان -يكتشف الأب أن سنوات عطائه مرت من دون أن يدخر ما يواجه به هذه المرحلة التي عادة تنعكس سلبياً على كل أفراد الأسرة التي عاشت على مستوى مادي معين، افتقدته في لحظة لم تكن ربما تخطر على بال كثير منهم، خصوصاً الشباب الذين لا يتنازلون عن متطلباتهم الكمالية في غالبها. وللأسف تجد الشاب بعمر ثماني عشرة سنة وليس له أي دور مع والده في مواجهة هذه المرحلة.

** البعد التوعوي في هذه القضية غائب على كل المستويات، فلا المؤسسات التربوية والتعليمية لها دور ولا المؤسسات المالية، وكذلك المؤسسة المعنية بالمتقاعدين ليس لها أي حضور في هذا الجانب المهم. فالمدرسة بنظامها التعليمي النظري تكاد تنفصل عن واقع الطالب الأسري والمادي. رغم وجود أدوار مهمة يمكن أن تقوم بها ولا تكلفها شيئاً سوى بعض الأفكار التي يمكن تطبيقها سواء على مستوى التوعية بأهمية الادخار مثل إيجاد صندوق مدرسي يشجع على الادخار ليتعود الطالب منذ الصغر على ادخار شيء من مصروفه اليومي، او على مستوى تشجيع وتعزيز ثقافة العمل الحر كأن يسمح للطالب بافتتاح نشاط تجاري صغير داخل المدرسة وفق ضوابط معينة، وهذا سيؤدي الى خلق بيئة مشجعة على تجاوز ثقافة العيب التي قد لا تزال لدى البعض. وفي الوقت نفسه تنعش بيئة المدرسة خلال أيام النشاط وكذلك خلال فترة الفسحة، وخلق مثل هذه البيئات في المدارس بكل مراحلها سيكون له أثر إيجابي على الشاب، فقد تنتقل معه فكرة هذا المشروع خارج المدرسة وتنمو تدريجياً ويكتسب بها خبرة تعينه في المستقبل.

** مثل هذه الأفكار البسيطة لو فعلت بشكل جيد واتيح لها الانتشار في المدارس كافة بنين وبنات، وتم تعزيزها ببرامج توعية وتثقيف تنطلق من مرتكزات أساسية في إكساب النشء الثقة بالنفس وتحمل المسؤولية وحب النجاح والإبداع، سيكون لها أثر إيجابي على مستوى الادخار والاستثمار ومعرفة قيمة العمل والاعتماد على النفس وإعطاء المال قيمته الحقيقية بالحفاظ عليه من آفة الإسراف.

** أتمنى أن يكون للمدرسة دور يتجاوز الجدران الأربعة والكتاب الصامت والمعلم الملقن، نتمنى أن تجيد مدارسنا تفعيل كل هذه الأدوات وربطها بالواقع من خلال العمل المتنوع والنشاط الخلاق المبدع والابتكار المشوق الذي يقضي على ملل الطلاب في مدارسهم..