تسببت الثورة الصناعية الغربية، والتجارب النووية، والأنشطة العسكرية في زيادة حجم المخلفات الخطرة، وغير المرغوب فيها، ما أدى إلى ظهور الحاجة الملحة للتخلص منها مع ضمان عدم وصول سميتها للإنسان والبيئة، ومن هنا ظهرت الشركات المتخصصة في معالجة النفايات الخطرة بأنواعها، النووية، الكيماوية، الطبية، الإلكترونية وغيرها.
التعامل مع النفايات النووية
تعمد بعض الدول المتقدمة لتصدير نفاياتها الخطرة لطمرها في الخارج، وتبقى أراضي دول العالم الثالث الأكثر استقبالاً للمخلفات النووية، والكيميائية الناتجة عن الدول الصناعية، وآلتها العسكرية، وهي في الغالب تدخل تحت غطاء الجيوش، كما حدث في العراق، وبعض الدول الأفريقية، أو وفق صفقات مشبوهة تُعقد مع قيادات حزبية، أو ديكتاتورية قادرة على تنفيذ عمليات الطمر بسهولة، من خلال ما يُعرف بـ «مافيا النفايات السامة»، وهي عصابات متخصصة في التعامل مع النفايات السامة وطمرها في الدول التي يكثر فيها الفساد، مقابل صفقات مالية ضخمة، أو تبادل للأسلحة والمنافع والمواقف السياسية والعقود التجارية.
في سوريا ظهرت أزمة «النفايات السامة» المطمورة في صحراء «تدمر» العام 1990 وفق صفقة مالية مرتفعة القيمة مع أحد أركان النظام السوري آنذاك.. وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، تلقت لبنان كميات من النفايات الخطرة التي طمرت في أراضيها وفق اتفاقية عقدت مع أحد زعماء الميليشيا اللبنانية.
تشير بعض المعلومات، إلى أن الجيش الأميركي قام بطمر كميات كبيرة من النفايات النووية في الصومال، الأمر نفسه ينطبق على جنوب السودان وبعض الدول الأفريقية.. أما صحراء العراق، فيعتقد أنها الأكثر احتواء للنفايات السامة التي طمرها الجيش الأميركي، إضافة إلى مخلفات الحرب المشبعة باليورانيوم والتي طُمرت بطرق غير آمنة، ما أسهم في ظهور الأمراض الخطرة، وفي مقدمها السرطان.
تمدد دور «مافيا النفايات السامة» مع تطور الصناعات البتروكيماوية، وصناعات الأدوية، والمواد الخطرة بأنواعها، وتغلغلها في غالبية دول العالم الثالث، الذين ركزوا على الصناعات الخطرة باعتبارها مصدراً مهماً للثروة والتنمية الصناعية، دون التمعن في مخاطرها على سلامة البيئة وصحة الإنسان، بل إن بعض الدول العربية استوردت تلك الصناعات الخطرة وتجاهلت قوانينها الدولية ذات العلاقة في التعامل مع مخلفاتها الخطرة.. وبعضها الآخر توسع في التشريعات والقوانين، ثم اصطدم بثقافة المجتمع، وضعف الأجهزة الرقابية في تعاملها مع النفايات السامة كنتيجة حتمية لضعف الثقافة والإمكانيات.
في مصر «لقي ما يقرب من 4 أشخاص مصرعهم وأصيب 12 باختناق، نتيجة استنشاق غاز مجهول، بعد حرق مخلفات مواد كيميائية بجوار مصنع ألومنيوم القليوبية» ما أدى إلى تدخل «القوات المسلحة للسيطرة على انبعاث الغازات السامة من المنطقة».
كشفت التحقيقات عن وجود إهمال في التعامل مع النفايات الكيماوية، والتخلص منها بطرق غير آمنة ما تسبب في كارثة بيئية قاتلة.
في السعودية، يبرز ملف النفايات الخطرة الناتجة عن الصناعات الكيماوية، والقطاعات الطبية، والمبيدات الحشرية وغيرها، وهي نفايات لا يمكن التهاون بآثارها الخطرة على صحة الإنسان وسلامة البيئة.. يبدو أن مافيا النفايات السامة وجدت طريقها داخل السوق السعودية التي تسيطر عليها العمالة الأجنبية، والعمالة المخالفة بوجه خاص، وتفتقر إلى الثقافة الرقابية المتخصصة والمختبرات النوعية، والإلمام بقوانين التعامل مع النفايات الخطرة ومعاييرها الصارمة، وأستثني الهيئة الملكية للجبيل وينبع، من تعميم القصور الرقابي والثقافي، نظراً لما تتمتع به من ثقافة عالية في مجال حماية البيئة والتعامل مع مخلفات الصناعات البتروكيماوية الخطرة، وتطبيقها المعايير العالمية بصرامة.. للأسف الشديد فالنفايات الخطرة لا يقتصر وجودها في محيط إشراف الهيئة الملكية في الجبيل وينبع كي نأمن بوائقها، بل تنتشر في جميع مناطق المملكة، بل إن مدينة الجبيل الملاصقة للجبيل الصناعية تشتكي من ضعف الرقابة على المخلفات الخطرة، وتساهل الجهات الإشرافية في إعطاء تصاريح مزاولة نشاط لمجمعات تُستَغل في التعامل مع النفايات الخطرة.
بات أمراً مألوفاً رؤية عمليات الطمر والتخلص من النفايات الخطرة في الصحارى والأراضي المهجورة، فالعمالة الأجنبية قادرة على تقديم كل ما يحتاجه المخالفون وفق تسعيرة خاصة.
«مافيا النفايات الخطرة» لن تتوقف عن مخالفاتها البيئية ما لم تقم حماية البيئة بدورها الفاعل، وما لم ترتق الجهات الإشرافية والرقابية الحكومية بثقافتها وإلمامها بالأخطار البيئية المحدقة، وما لم يستشعر ملاَّك مؤسسات وشركات المعالجة المخالفة حسهم الديني والوطني، ويتحمل المواطنون مسؤولياتهم تجاه حماية الوطن من عبث العابثين الذين لا يفكرون إلا في المال وإن دُمِّرَت البيئة، وأُصيب الإنسان.
f.albuainain@hotmail.com