تناولنا كثيراً آثار الطلاق الشرعي على الأسرة، وما يتعرض له أطفال المطلقات من عنف يحتاج للتدخل، وما تتعرض له المرأة المطلقة أيضاً من معاناة للحصول على حقوقها الشرعية مع أطفالها، وتأمين حياتها المعيشية! لكن ما هو أسوأ أيضاً ما يسمى “الطلاق العاطفي”، الذي يؤدي لمخاطر مُبطنة داخل الكثير من الأسر التي تعاني منه!
فالطلاق العاطفي “هو هجر الزوج زوجته، سواء كان هجراً في العلاقة العاطفية أو هجراً في المحادثة، وفقدان المودة والسكن النفسي بين الزوجين، مع قيام الزوج بالحقوق الزوجية الأخرى كالنفقة وتأمين السكن؛ إذ يظهر للناس استقامة العلاقة الزوجية، والواقع على خلافه”! فالطلاق الشرعي ينهي العلاقة الزوجية، وإن ترتب على ذلك إيذاءً نفسياً على الزوجة وأطفالها، لكنه أهون من إيذاء الطلاق العاطفي؛ إذ يتصدر الهجر العاطفي العلاقة الزوجية، فالمودة والحب والأُنس بين الزوجين مفقودة، وتمتد آثارها السلبية على الجو الأسري للبيت، ويطغى الجفاء العاطفي على التعامل بين أفراد الأسرة، فنجد الرجل يحادث أهل بيته محادثة خالية من العبارات العاطفية، كأنه أجنبي عنهم؛ ما يشعرهم بالغربة الأُسرية معه، ولذلك استجابة لنداء الحاجة للحب والحنان، فكل فردٍ من أفرادها يبحث عمن يُشبع تلك الحاجة بطريقته، فتكون النتائج وخيمة، ووبالها أشد على الكيان الأسري بأكمله! فالطلاق العاطفي يبدأ بفقدان الحب القلبي ثم العزوف عن الممارسات العاطفية بأنواعها، ثم الامتناع عن ممارسة العلاقة الزوجية، ثم يتجاوز ذلك إلى الإقامة خارج المنزل والسفر المتكرر للزوج، ثم الإهمال حتى في النفقة والرعاية، فتكون الزوجة معلقة وهي غير مطلقة! والأكثر معاناة بالنسبة للزوجات المهجورات عاطفياً أيضاً هو ترددهن خجلاً في المطالبة بحقوقهن الشرعية المتمثلة في المعاشرة الحسنة، أكثر من النساء المتعرضات للعنف الجسدي اللاتي قد يمتلكن أدلة مادية على الإيذاء الواقع عليهن، ومن السهولة لجوؤهن للجهات الأمنية أو القضائية للمطالبة بحقوقهن وإيقاع العقوبة على المعتدي عليهن لو رغبن في ذلك!
وإن كانت أسباب الطلاق العاطفي مختلفة من أسرة لأخرى إلا أن ما يهمني هو “النتائج المترتبة على ذلك”، التي من أخطرها: انعزال الأسرة كلها عن بعضها، وانتفاء القدوة الحسنة للأبناء، وتشويه صورة الأبوين، وعدم الشعور بالاستقرار والأمان الأسري، وتخلي الأبوين عن مسؤولياتهما تجاه الأبناء، وتكرار الإساءة إليهم من الأبوين لحالة الأبوين النفسية نتيجة لسوء العلاقة العاطفية بينهما! جميع هذه النتائج وغيرها أعظم خطورة تكون دافعاً لكثير من الفتيات بالذات للهروب من الأسرة بعد إغراء علاقة عاطفية عابرة، بحثت عنها إشباعاً لحاجتها للحب والاهتمام العاطفي من أي رجل تعتقد أنه سيعوضها عن والدها البخيل في عواطفه مع والدتهن ومعهن أيضاً! فهروب الفتيات بسبب الطلاق العاطفي المسيطر في منازلهن يؤدي بهن إلى عنابر السجون بقضايا أخلاقية ومخدرات ودعارة وغيرها من القضايا التي يتسبب فيها أحد الأبوين بدون إدراك لمخاطر ما يصدر منه تجاه أسرته!
وأخيراً، آمل منكم جميعاً الاطلاع على “دليل الإرشاد الأسري” ومشكلة الطلاق العاطفي، وكيف يتعامل معها المرشد الأسري، من إعداد نخبة من المختصين والمختصات، ورعاية “مؤسسة آل الجميح الخيرية”، ودعم “مشروع ابن باز الخيري لمساعدة الشباب على الزواج”.
moudyahrani@ تويتر