يُعتبر رمضان قوة تجديد إيمانية للمسلم، وتُعتبر الصلوات الخمس رقيباً يومياً لسلوكياته من الانزياح عن جادة الصواب، وفلسفة الاقتصاد الإسلامي تقوم على دورة الإنتاج، والاستثمار والإعمار، وقد نهى الإسلام عن الإسراف والتبذير، وفي مقابلة أيضاً نهى عن الاكتناز والتقتير، وكل ذلك مؤشرات على أهمية الاعتدال في كل شيء.
اليوم نحاول أن نرصد سلوكنا ونحاكم أنفسنا وفقاً لقواعد الإسلام تلك، ففي العيد تبذل الصدقات للفقراء والمحتاجين، ويتم إخراج زكاة الفطر، والتوسع في أعمال الخير، ويجتمع الناس بعد افتراق لتتقارب القلوب على الود؛ إذ إن أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على المسلم. ولا شك أن أعيادنا تتجلى فيها الكثير من المعاني الاجتماعية والإنسانية، مع عدم المبالغة في الأكل والشرب والولائم؛ فهو عيد للفطر وليس عيد للولائم.
لكن الإشكالية الكبرى أن لدينا قدرات على إفقاد العيد معناه ورسالته الحقيقية؛ فقد أصبح العيد عند كثير من الناس وبعض الجهات الحكومية حياة مظهرية، تطبع سلوكياتهم؛ ليصبح عديم التأثير والقيمة، ففي كل عيد تظهر لنا أفكار جديدة، وأصبح كل عيد يختلف عن العيد السابق، وصارت الأعياد منافسة لحفلات الزواج من ناحية التكاليف، فالإسلام دين الوسطية والاعتدال، وقد نهى عن التبذير والإسراف، لكن ما نراه اليوم يؤكد أننا لم نطور أفكارنا بما يتناسب وهذا التوجيه الرباني.
لقد أصبح العيد منافسة ومفاخرة بين الأسر وبعض الجهات، وخصوصاً في المبالغة في تكاليف الحفلات وأسعار الاستراحات والولائم المكلفة والهدايا وتقديم الأموال بطرق متنوعة، والتكاليف الباهظة التي فرضها الكثير، والتي تكبد رب الأسرة الكثير من الديون؛ ما أدى إلى ابتعاد الكثير من الناس عن ذلك الاجتماع، الذي يعزز مفهوم التعاون والتراحم والتواصل؛ لأنه أصبح مكلفاً جداً، ويحتاج إلى متطلبات كبيرة.
تغيرت مفاهيم العيد فتغيرت مضامين الرسالة، ولم يعد كالسابق اجتماعاً عائلياً إنسانياً بسيطاً بمنزل أحد أفراد العائلة؛ فالأمر تغيّر كثيراً، وأصبح الكل يستعد لهذه المناسبة بفترة طويلة، وبتكاليف باهظة؛ إذ يتم الاجتماع في يوم العيد ببرنامج يعد من قبل أحد الأقارب، ويكلفه مبالغ طائلة. ولم تسلم الدوائر والمؤسسات الحكومية من هذه الآفة، أقصد الإسراف في المعايدات في كلا العيدين، التي خُصصت لها ميزانيات تخصم من خزينة الدولة بدلاً من استغلالها للقيام بواجب إنساني ناحية المجتمع، أو بصرف هذه الميزانيات في توظيف شباب وشابات الوطن، وتكون المعايدات مقتصرة على السلام فقط.
فالهدف من العيد تبادل التهاني والتزاور بين الأقارب والأصدقاء، وصلة الأرحام، والإحساس بالفقراء والعطف عليهم؛ لذا يفترض تطوير سلوكياتنا؛ لنعرف كيف نصرف ونقتصد في الأعياد، وكيف نديم هذه السلوكية الإيمانية والتربوية، وكيف لا نتجاوزها أو نركنها جانباً في العيد، فالترشيد ضروري في كل مجالات الحياة، وهو جزء من الإدارة التي يحتاج إليها الفرد والمجتمع والدولة، وهي من سمات المجتمع المدني الحديث.
وعليه فمن المفيد التعامل مع احتياجات العيد بإعداد ميزانية جماعية؛ لتكون المصروفات واقعية، وفي حدود المعقول، وبذلك نوفَّق بين الاستهلاك والدخل، في ظل ارتفاع الأسعار وتصاعد مؤشر التضخم، ويفترض أن نراجع سلوكياتنا وعاداتنا الاستهلاكية، ونعيد ترتيب الأولويات، وتوزيع النفقات حسب الأهمية والضرورة، والعمل على إلغاء عادات التفاخر والبذخ, وتنمية الوعي الفكري والاجتماعي لدى الأسر، والجهات التي تفاخر بتكاليف الأعياد؛ إذ إن التنظيم مسألة أساسية في حياتنا، دائماً تحتاج إلى مزيد من الرقابة والمسؤولية.
وكل عام وأنتم بخير.
Ahmed9674@hotmail.comمستشار مالي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية