يخطئ من يعتقد أن باستطاعته مصادرة مفاهيم الآخرين، وتحديداً فيما يخص -ذائقتهم-، خصوصاً إذا كان باستطاعتهم دحض ما يراه باحتكامهم -لعلم البيان- (من منظور نقدي)، وهذا ما أثاره -أحدهم- في طرحه الواهي، وليته لم يفعل كيلا يضع نفسه في موقف لا يحسد عليه، إذ قال: إن شعر الغزل الرقيق لا يتوافر -بلغة التأثر والتأثير إلا لشاعركانت نشأته في بيئة أنهار، ودلل على ذلك باسم أو اسمين وغاب عن فطنته قول الشاعر:
قل للذي يدّعي في العلم معرفة
عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء
فربما أن اطلاعه البسيط في علم النفس، أو علم الاجتماع، أو علم النقد، جعله كما يقول إخواننا المصريون يشعر وكأنه (جايب الديب من ديله)، وإلا فإن وجهة نظره يؤخذ منها بشكل جزئي إذا كان قياسه في محله بالأدلة الأدبية القاطعة، أما أن يهمّش (لأسبابه بعيداً عن تفسير النوايا)، فذلك أمر مردود عليه، لأن أجمل شعر الغزل وأرقه وأعذبه -فصيحه وشعبيه- كان من بيئات صحراوية وقروية ليس لها أي صلة ببلاد أنهاره.. الحالمة، وهذه الطامة الكبرى بحقه (أمام نفسه أولاً)، ولو كان كلامه في محله، لما اعترفنا بشعر امرئ القيس، وعنترة بن شداد، وكعب بن زهير، ثم في العصور اللاحقة بهم، جرير، ومجنون ليلى، وجميل بثينة، ثم في الشعر الشعبي الدجيما، وسليمان بن شريم، وعبدالله بن سبيل، وابن لعبون (وكل هذه الأسماء حاضرة وبادية في الجزيرة العربية من نجد ومنطقة الحجاز باختلاف تعاقب الأزمنة وكلا المنطقتين بلا أنهار كما يزعم صاحبنا الناقد الجهبذ..!).
باختصار للنقد أهله المؤهلون أكاديمياً، وثقافياً بخبرتهم الواسعة ولا يضير الدخيلين أو الطارئين على هذا الفن الأدبي (أن يعطوا القوس باريها) طالما أن اجتهادهم في غير محله، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وآن الأوان وتحديداً للقائمين على بعض القنوات الإعلامية المرئية أن يتأنوا فيما يطرحونه من حيث الكيف قبل الكم.
وقفة للشاعر محمد العبدالله القاضي -رحمه الله-:
الصبر محمود العواقب فعاله
والعقل أشرف ما تحلّى به الحال
والصمت به سر السعد من يناله
والهذر به شرٍ وشومٍ وغربال
ولا خير في من لا يصدّق مقاله
بفعلٍ بحالاتٍ قصيرات واطوال
فالبل معلومٍ بالأيدي عقاله
والخيل تزلج بالشبيلي والاقفال
والرجل بالواجب لسانه عقاله
لا قال قولٍ تمّ لو حلّ به حال
abdulaziz-s-almoteb@hotmail.com