رحل العم أبو علي عبدالمحسن بن علي البدر رحمه الله بعد أن ترك لنا دروساً في العبادة والصبر والخلق الجم، هكذا عرفته وسمعت عنه الكثير، فقد كان كثير الصمت صاحب ابتسامة وصاحب صدقة، لطيف مع الصغير والكبير، يحب صلة الرحم ويحرص عليها، يتصف بالصمت كثيرًا، لا يرضى أن يذكر أحد غائبًا في مجلس هو فيه، وكان حريصًا على المساهمة في مشاريع الخير، وكان صاحب قيام في الليل، تذكر زوجته حفظها الله أنه لا يترك قيام الليل بل ويوقظ أهله رحمه الله.

ومن ورعه (رحمه الله) في عمله أنه كان لا يتأخر ولا يخرج إلا لحاجة ماسة ثم يرجع سريعًا كان مثالاً في خدمة الناس، ومما يميزه تحليه بالصبر، حيث عاش طيلة الثلاث عشرة سنة الأخيرة من عمره يعاني من مرض الفشل الكلوي، يقول أبناؤه البررة ما تذمر يومًا ولا شكا لأحد بل هو صابر محتسب، حتى إن أحد أبنائه يسأله قبل وفاته بساعة عن صحته فيحمد الله، لم يمنعه ذلك من الصيام ولا من أداء العمرة مع ضعفه ونحالة جسمه، بل إنه يكابد الصعاب في طاعة الله حتى فارق هذه الدنيا وهو صائم رحمه الله، ومن صبره على البلاء والمصاعب ما أصيب به من فقد أخيه الشقيق (عبدالله) فصبر، وكذلك صبره عند وفاة ابن أخيه (علي) ولم يكن بينهما إلا تسعة أشهر، وبعدهما ابنه إبراهيم رحمهم الله جميعًا.

ولما أتيت إليه وكان معي ابنه فهد لنخبره عن وفاة ابنه إبراهيم رأيت عجباً، فلم يهتز بل استرجع وحمد الله مع أن وفاته كانت فاجعة، ولكن قوة الإيمان ورضاه بقدر الله كان سببًا لثباته أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله.

كان آخر ما ودع فيه هذه الدنيا أن جمع بين صلاة الظهر والصيام وإخراج زكاة ماله وأداء العمرة، لا أعرف أن أحداً يكرهه، أو بينه وبين أحد خصومة، وما كان في يوم جنازته خير شاهد على ذلك، حيث الجموع من المصلين والمشيعين وتأثر الحاضرين، بل أحد المشايخ كان يقول لاحظت هدوءًا عجيبًا في المقبرة لم أشهده من قبل.

رحمك الله يا أبا علي لقد رحلت عنا بجسدك ولكن أبقيت لنا خلقًا وأدباً عظيمًا، رحمك الله وآنس وحشتك في قبرك وأفسح لك فيه وأدخلك جنته وغفر لك وجمعنا بك ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا في جنات عدن، اللهم ارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين وأصلح له في ذريته وأجعلهم من عبادك الأبرار وأحفظهم وأحفظ لهم والدتهم وألبسها لباس الصحة والعافية على طاعتك، وأوصيكم بوالدتكم خيراً، فألزموا برها وأنتم كذلك ولكن من باب الذكرى.