إنني من الذين يترددون في الكلام عن (مجتمعنا) ذي التركيبة غير المسبوقة لجهة كونه أصبح (مُلْهِما) للسلطة الثقافية التي تشبه السلطات الأخرى لدرجة إن كليهما تملك (معجمها) الخاص بالنقائص والمآخذ على الجماعات والأفراد وسكن في ضميرها الشعور بضرورة إعادة الارتباط بالإرث الذي كان سائدا في المجتمعات الرّعوية،
قبل تطورها إلى ما (يشبه) المجتمعات الزراعية ثم انطلاقها بسرعة البرق إلى مجتمع (المدينة)، حيث سكنت مخططات عشوائية خلقت معها سبل الترويح عن الناس وتلبية مطالبهم المخصصة للراحة، وذلك في عملية (اختلاق للمثل) والتمسك بالقيم المزيّفة التي جرى إحلالها مكان القيم الحقيقية. وهذا التردد ليس من قبيل التأني في إصدار الأحكام المؤدية بدورها الى الإقصاء، والإلغاء والتحجيم والمصادرة، كيف تحكم على مجتمع تعيش فيه وهو سؤال أزليّ نشأ مع المعرفة الفيزيائية وحتى الميتافيزيقية بأنه ما لم تكن خارج الكوكب فإنه من المستحيل أن (تتبصر) بالأخطاء والممارسات غير الطبيعية وغير المشروعة، عليك أن تغادر كوكبنا دون رؤى مسبقة لتتمكن آنذاك من تشكيل رؤيتك الحاسمة.
ثمة شيء ما يثير القلق!
من أين جاءت كل هذه الإشكاليات إلى وطنٍ كبير وعظيم وله تاريخ مكتوب بماء الذهب؟!. ثمة إجابة تردُ على الخاطر سريعاً - إن أمّة لا تقول كلمة (الوحدة) إلا في المقرّرات المدرسية، ولا تتكلم عن اللغة والدين والمصير المشترك إلا في مقرّر الجغرافيا. ظل فينا مقموعون!، هذا كل مكسبنا من التفكك والتشطير والقطرية. ومن مغالطات بعض السياسيين العرب الذين لا يهمهم سوى كراسيهم. وأن يكونوا رؤساء أيضاً، إن كان من نتائج ملموسة للبث المباشر لعقيدة (العولمة) بحمولاتها الثقافية، فهي تلك الثورات التي سميّتْ بالربيع العربي ومنها ما نجح (تقريبا!!). ومنها من يتربص بالآخرين الذين قاموا بالفعل والمبادرة ومنها ما لم تزل تُدعى بمسميات مسيسة فهي انتفاضة وهي تمرد وهي مجموعات إسلاموية مجاهدة وهي بوابة الجحيم - كما قال الأخضر البراهيمي - للعالم كله.
نخلص إلى (همنا) وهو ما يخص ما هو (ثقافي ويلامس علم الاجتماع والتفكير الاجتماعي ووو..). إن ما لاحظه المواطن العربي هي (حركة) رئيس جمهورية مصر العربية المؤقت بتعيين المذيع الممتاز (محمد المسلماني) من قناة (DREAM 1) مستشاراً صحفياً للرئيس. وهي تحمل مقومات تثير الخاطر كالرجل المناسب في المكان المناسب وكالعدل في توزيع المناصب شبه الرئاسية (الوزارية) بحيث بدت تلك الحركة وكأنما هي رسالة من الجيش والحكومة المؤقتة ولكنّ ما يجعل الآخرين يظلون ساخرين من فكرة ومفهوم الربيع العربي هو أن الأسبوع الماضي سمع صوت (أوباما) وهو يتردد بين تسمية ثورة 30 يونيو بالانقلاب العسكري وبأن جميع العسكر هم قراصنة ومجرد تابعين للحكومة القائمة. سواء كانت على حق أم على باطل!
إن ما ينقص الإنسان العربي هو أهم كثيرا من وسائل الاتصال ومما تلقيه علينا اليابان وكوريا وتركيا من نفايات مصانعها. إنه يحتاج إلى أن يتمرّن على التنفس بشكل صحي وأن يمارس القلق الإيجابي - الخلاّق - وأن يمضي بأبطأ ما يمكنه لكيلا يفهم الناس بالخطأ ولكيلا يفهمه الناس بالخطأ.
وعلى الإنسان العربي أن يستعيد ذاكراته. لا ضرر من عدة أيام في غيبوبة إذا كنت واثقا من أن جسدك وروحك اللذين حباك الله قادران على المبادرة. ينقص الإنسان في كافة شؤون الحياة أن (يبادر) وأن (لا يهتم لكثرة المحبطات فخلف كل شيء محبط شيء يدفعك لاجتياز العثرة.
hjarallah@yahoo.com - alhomaidjarallah@gmail.comحائل