قال الله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا [الإسراء:26].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِه، فَلْيَصِلْ رَحِمَه» [أخرجه البخاري].
وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخُلُ الجنةَ قاطع»، يعني: قاطعَ رحم. [متفق عليه].
وعن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْش، تقول من وصلني وَصَلَهُ الله، ومن قطعني قَطَعَهُ الله» [رواه مسلم].
والمراد بصلة الرحم صلة الأقارب، وذلك بمحبتهم وزيارتهم، وأن تُوَقِّرَ كبيرهم، وترحمَ صغيرهم، وتعودَ مريضهم، وتعزّي مصابهم، وأن تصلهم وإن قطعوك، وتحسن إليهم وإن أساؤوا إليك، وتتفقَّدَ أحوالهم، وذلك بالمبادرة إلى صلحهم عند عداوتهم، والاجتهاد في إيصال كفايتهم بِطِيْبِ نَفْسٍ عند فقرهم، والإسراع إلى مساعدتهم ومعاونتهم عند حاجتهم، وإجابة دعوتهم، والتواضع معهم، ونصحهم في جميع شؤونهم، والبداءة بهم في الدعوة والضيافة قبل غيرهم، والإحسان إليهم بالصدقة والهدية؛ لأن الصدقة عليهم صدقة وصلة.
وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلة الرحم أعظمُ أجرًا من العتق، ففي الصحيحين عن ميمونة أم المؤمنين أنها قالت: يا رسول الله، أَشَعَرْت أني أعتقتُ وليدتي قال: أو فعلتِ؟ قالت: نعم. قال: أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك.
وبعض الناس هداهم الله لا يصل أقاربه إلا إذا وصلوه، وهذا في الحقيقة ليس بصلة، بل هو مكافأة؛ إذ إن المروءة والفطرة السليمة تقتضي مكافأة من أحسن إليك قريبًا كان أم بعيداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطِعَت رحمه وصلها» [متفق عليه].
فَصِلوا أرحامكم وإن قطعوكم، وستكون العاقبة لكم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إن لي قرابة أَصِلُهُم ويقطعونني، وأُحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال: «إن كنتَ كما قلت، فكأنما تُسِفُّهم الملّ ـ يعني: الرماد الحار ـ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ـ أي: معين عليهم ـ ما دمت على ذلك» [رواه مسلم].
فالله تعالى يصل الواصل لرحمه في الدنيا والآخرة، فَيُمِدُّهُ بالرحمة، وييسر له الأمور، ويُفَرِّجَ عنه الكربات، هذا مع ما في صلة الرحم من مودةٍ ومحبة وسرور، وكل هذه الفوائد تنعكس سلبًا حينما تحل القطيعة ويحصل التباعد والتفرق.
فاتقوا الله عباد الله، وصَلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا ذا أمركم، وصِلُوا رحِمَكم، تدخلوا جَنَّة ربكم، واعلموا أن للأقارب حقوقًا لازمة، وأن القيام بها من أعظم ما يقربكم إلى رب العالمين، وكلما اشتد القُرْب، وزاد الاتصال، صار الحق أكبر، والثواب بالقيام به أفضل عند الكريم ذي الجلال.
أما علمتم أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم، فمن قطع رحمه قطعه الله، أما علمتم أن الصلة بركة في الأعمال والأرزاق والأموال، وفُسْحَةٌ في الآجال موجبة لمحبة الأهل والآل، وأنه لا يتم إيمان عبدٍ إلا بصلة أرحامه وأقاربه، وأن الواصل قد فاز من ربه بفضله وثوابه، فطوبى للواصلين برضا الله وكرمه ونواله، وما أحقهم بعلو الدرجات ونيل الكرامات في عاجل الأمر ومآله.
أيها الواصل، هنيئًا لك بطاعة الله ورسوله، والفوز بثوابه وإدراك مأموله، ويا أيها القاطع، جبر الله مصيبتك، فقد حَرَمْتَ نفسك خيرًا كثيرًا؛ فبادر بالتوبة إلى الله تعالى قبل فوات الأوان، فتندم حين لا ينفع الندم، وكم من إنسان ندم أشد الندم على قطيعة رحمه لأتفه الأسباب، نسأل الله العافية والسلامة.
إخواني: حافظوا على الطاعات، وجانبوا المعاصي والمحرمات، وابتهلوا إلى فاطر الأرض والسماوات، وتعرَّضوا لنفحات جوده فإنه جزيل الهبات، واعلموا أنه ليس لكم من دنياكم إلا ما أمضيتموه في طاعة مولاكم، فالغنيمة الغنيمة قبل الفوات، اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات، وشَغْلِها بالأعمال الصالحات، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، واجعل عملنا مقبولاً، وسعينا مشكوراً، وذنبنا مغفوراً، واجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، واجعلنا من عتقائك من النار يا رب العالمين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.