الجامعات السعودية التي تم إنشاؤها حديثا في مختلف مناطق بلادنا حلم تعليمي راشد، تم تحقيقه، وقد سعت هذه الجامعات الوليدة إلى معادلة العطاء والنماء من خلال استقطاب فعاليات التعليم ووسائله الراهنة، من أجل استيعاب هذا الزخم الهائل في أعداد الطلاب الطامحين إلى التعليم الجامعي، ومن ثم تحقيق الأهداف المرجوة، ورسم خطوات التطوير الملحة التي ينتظرها الجميع كجزء من رسالة التعليم الجامعي في بلادنا.
* فالجامعات الجديدة تكونت لبناتها الأولى في الكثير من المناطق المهمة والحيوية وذات الكثافة السكانية العالية، إلا أن هاجس هذه الجامعات لا يزال ينصب على فكرة التعليم، واستيعاب الطلاب، وفتح مزيد من الكليات، وتنويع التخصصات، فيما ينتظر المجتمع إضافة إلى ذلك الكثير من الأنشطة والمهام الأخرى .. تلك التي تتعلق بحياة المجتمع وتنمية الإنسان، والمحافظة على البيئة، وحفظ التراث والهوية الجغرافية.
* فيجدر بهذه الجامعات كجزء من دورها ورسالتها أن تكون لكل جامعة هوية أو إطار تسير عليه، أو هدف معنوي تنشده على نحو تأصيل البعد التاريخي والحضاري لكل منطقة، فعلى سبيل المثال حينما تهتم “جامعة جازان” بتراث هذه المنطقة والمكونات البحرية والحياة الفطرية التي تعد علامة فارقة، فإن لهذه الجامعة أن تحقق أهدافها، وتكون مميزة عما سواها، لأن التنوع البيئي والإنساني والتراثي يعد مصدر ثراء للتجربة العلمية والمعرفية.
ومثال آخر “جامعة نجران” حينما تتميز في مجال التراث المحلي والحضارة القديمة لهذه المنطقة التي عُرفت بغناها المعنوي، وتميزها التراثي على مدى قرون سالفة، فإن الجامعة في هذه المنطقة حتما ستحقق بعدا ثقافيا وإنسانيا يبرز للعالم حضارة بلادنا وعمقها التاريخي ومخزونها المعنوي.
والأمر ينطبق على مناطق بلادنا الأخرى، على نحو حائل والأحساء وتبوك والجوف، فمن المهم أن يكون لكل جامعة رسالة إنسانية واجتماعية، وهدف عميق تسير إليها من أجل أن لا تكون مجرد فصول دراسية تعنى بتخريج الطلبة، أو ما يعرف بسد حاجة سوق العمل.. فالجامعة لا بد أن يكون لها هوية وأبعاد معرفية وثقافية في غاية الأهمية.. فهي منذ قرون تعد منارة للعلم والثقافة والمعرفة.
ولا ننسى في هذا السياق الدور المهم للتعليم الحديث المرتبط بالتقنيات والمعلومات والوسائل التعليمية الحديثة التي تتخذ من التطور الالكتروني والتقني والصناعي منطلقا لرسالتها، على نحو “الجامعة الالكترونية” في العاصمة الرياض التي تم تدشينها قبل نحو عام، وهي خطوة فريدة، وتحتاج إلى مزيد من التطوير والمتابعة، لتضع التعليم الجامعي في مساره العصري المتطور والمتجدد، ولتسهم أيضا في بناء منظومة العمل الإنساني والنشاط الاجتماعي، ليكون دورها شاملا لأوجه الحياة، وبناء العقول والرقي بالذائقة إلى مستوى العطاء المتميز.
hrbda2000@hotmail.com