لا يخفى على الباحثين المطلعين ما يقع في بعض فهارس المخطوطات من أخطاء في نسبة كتاب لمؤلف لم يؤلفه، وهذا قد يكون اجتهاداً من المفهرس، وقد تكون المعلومة الخاطئة مكتوبة على المخطوط نفسه، علّقها الناسخ أو أحد المطلعين على المخطوط اجتهاداً؛ بسبب اغترار بعنوان يقاربه، أو لأسباب أخرى.
والتحقق من صحة نسبة المخطوط لمؤلفه يحتاج إلى الاطلاع على المخطوط لمعرفة محتواه، وهذا ما حصل لي مع مخطوط محفوظ في وزارة الأوقاف في جمهورية مصر العربية، المكتبة المركزية للمخطوطات الإسلامية، المكتبة الأحمدية، رقم 746، والمخطوط يقع في 129 ورقة، جاء عنوانه في الفهرس هكذا (الشجرة وأنساب العرب ونوادرهم وما وقع بينهم من الحروب والمفاخر) (1)، بينما نُص على أن العنوان في المقدمة (سلالة الأرب في معرفة قبائل العرب)، وورد في الفهرس أن اسم المؤلف: محمد بن رضوان بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أرقم النميري الوادي آشي، الكنية: أبو يحيى، تاريخ الوفاة: 657هـ(2).
في حين أن المخطوط ليس عليه اسم المؤلف، ولا أدري على ماذا كان اعتماد المفهرس في نسبته له، هل هو اغترار بما في صفحة العنوان؟ وعليه تملك: صالح بن عبد الله بن إبراهيم البسّام، الذي جعله المفهرس: البصار!! ومحمد الأحمدي القصبي، سنة 1295هـ.
وأثبت المفهرس فاتحة المخطوط: (الحمد لله الذى جعل للعرب جمالاً يتهافت عليه سائر الأمم وخصهم من كثرة القبائل بما طلع لهم به في كل أفق نجم... وبعد ولما كان العلم بقبائل العرب وأنسابهم...)، كما أثبت خاتمته.
وبعد حصولي على نسخة من المخطوط يمكن أن أضيف هذه الحقائق: لم يذكر اسم المؤلف، ولا اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ.. والعنوان الذي في الفهرس، (الشجرة وأنساب العرب)، مثبت في أول ورقة من المخطوط، وهو تعليق لأحد متملكيه وكأنه يبيّن محتواه، أو أنه واهم فيه؛ وخط العنوان يختلف عن خط المتن، بينما جاء العنوان الثاني في أول ق2، وفي مقدمة المؤلف ق 4 هكذا (سلالة الأرب في معرفة قبائل العرب).
وعلى صفحة العنوان في أعلى المخطوط تملك مطموس ذكر فيه أنه اشترى من تركة عيسى بن هاشم، رحمه الله، في شهر محرم سنة 1282هـ، وانتقل المخطوط بعد ذلك إلى ملك صالح البسّام، حيث كتب عليه: (تملكه من فضل ربه الملك العلاّم صالح بن عبد الله البراهيم البسّام، عفا الله عنه وعافاه، ووفقه لما يحبه ويرضاه، آمين)..ثم تملكه من بعده محمد الأحمدي القصبي بطنطا، سنة 1295هـ، وقد جعل تملكه نظماً شعرياً، وأرّخه بحساب الجمّل، هكذا:
في حوزة العبد الفقير // محمد نجل الإمام
الأحمدي بطنتا // القصبي عليه الستر دام
في عام صه من بعد غر // يا ربنا حسن الختام
صه = 95.غر = 1200.
وعلى المخطوط ختمه في موضعين، واسمه فيه: السيد محمد القصبي، ثم آل بعد ذلك من المكتبة الأحمدية إلى وزارة الأوقاف المصرية.
وتبين لي بعد المقارنة أن هذا المخطوط نسخة من كتاب (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب)، تأليف: أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي، المتوفى سنة 821هـ، والكتاب مشهور ومطبوع عدة طبعات، وهذا العنوان هو المذكور في مقدمة المخطوط، بتحريف قليل من الناسخ، وقد سبق ذكره قريباً.
يجدر بالذكر أن بين وفاة ابن رضوان والقلقشندي 164 عاماً، والقلقشندي رجع في مؤلفه هذا إلى مصادر متأخرة لم تؤلف إلا بعد وفاة ابن رضوان بعقود، منها على سبيل المثال: (مسالك الأبصار)، و(التعريف بالمصطلح الشريف)، كلاهما لابن فضل الله العمري (ت 749هـ)، و(العبر)، لابن خلدون (ت 808هـ)، وأحال القلقشندي فيه لكتابه (صبح الأعشى) (3)، الذي أنجز تأليفه في شهر شوال سنة 814هـ.
أحببت أن أبيّن هذا ليكون الباحث على علم بأن عنوان المخطوط واسم المؤلف الذي في الفهرس خطأ لا يمثل واقع المخطوط.. ولم أقف على مؤلف ابن رضوان في أنساب العرب، فقد يكون من الكتب المفقودة.
وقد جاء في آخر نسختنا من مخطوط (نهاية الأرب) تبيين سبب تأليف الكتاب، وذلك على لسان المؤلف بما نصه: (قلت: وكان سبب تأليف هذا الكتاب والتصدي لتأليفه وتصنيفه أني لما رأيت الناس متهافتين على الجمالي المخصوص بوضع هذا التأليف فيهم، ومحاسنه اليوسفية تهديهم، وسحائب سببه تجديهم، أحببت أن أضرب معهم في مدحه لي بسهم، وأشركهم في تقريضه بنصيب، لأحمل في حمله وفود من وفد، ومن إليه نقد، وأقرر من نظره السعيد بنظرة، وقيل من وقع عليه نظر السعيد سعد، فأتيت في هذا التأليف نبذة من ممادحه، ونخبة يسيرة من بحر مناقبه، وسبكت ذلك في قالب علمي، ليكون في الأنفس أوقع، وفي الأسماع أولج، وفي الآفاق مسير، وعلى ممر الزمان أبقى.
إن راق تأليفا فذاك بسعده // وإن كانت الأخرى فحظي أعتب
والله تعالى يقرنه بالإسعاد ويحفه بالقبول ويصده عن الإبعاد، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.. فهل كان هذا في الأصل، أم أنه مضاف لاحقاً؟ لأنه ليس في المطبوع.
وقد نص القلقشندي في مقدمته لـ(نهاية الأرب)، على أنه ألّفه لخزانة أبي المحاسن يوسف الأموي القرشي، الذي وصفه بعزيز المملكة المصرية (4).
ولما كانت نسخة هذا المخطوط من متملكات الشيخ صالح بن عبد الله البسّام، يحسن أن أورد نبذة تعريفية عنه: ولد في مدينة عنيزة سنة 1270هـ، وطلب العلم فيها، ثم ارتحل لطلب العلم وللتجارة خارج وطنه، فاستوطن مكة وجدة فترة، ومن مشايخه: محمد بن مانع، ومحمد بن حميد، وعلي المحمد قاضي عنيزة، وعلي باصبرين، ومحمد بن حسب الله الشافعي.. توفي شاباً في بلده عنيزة سنة 1307هـ، وله من العمر 37 عاماً، رحمه الله تعالى، له بعض الأشعار والرسائل الإخوانية، وكان نهماً في جمع الكتب والاطلاع عليها، قال عنهم ترجمه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسّام: (له ولع بالعلم وكتبه، فجمع مكتبة حافلة قلَّ أن تكون عند غيره في زمانه لرغبته العلمية وقدرته المالية)، ويواصل الحديث عنه قائلاً: (خلف مكتبة قيمة حافلة بالكتب المفيدة والمراجع الهامة مطبوعة ومخطوطة، ولم تبع إلا بعد وفاته بنحو خمسين سنة، بعد أن توفي ابنه محمد الصالح وذلك سنة 1353هـ، وعندي صورة من فهارسها، ففيها نوادر المراجع العلمية) (5).
قلت: يُستثنى من ذلك نسخة (نهاية الأرب)، التي انتقلت في حياته سنة 1295هـ، إلى متملك آخر(6).
ومن الكتب المخطوطة التي وُجِدَت وعليها تملكه: (الأدب المفرد)، للبخاري؛ و(مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام)، لابن عبد الهادي؛ و(عقد الفرائد)، لابن عبد القوي؛ و(ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب) (7)؛ و(السحب الوابلة)، لشَيْخِهِ ابن حميد؛ و(نهاية الأرب)، موضع حديثنا.
وفق الله الجميع لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
*** ***
الهوامش:
(1) أحال المفهرس في تحقيقه للعنوان على: كشف الظنون،لحاجي خليفة، ج2، ص1027.
(2) أحال المفهرس في تحقيقه للمؤلف على: معجم المؤلفين،لكحالة، ج9، ص318.. ولابن رضوان ترجمة أيضاً في: الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط8، 1989م، ج6، ص128.
(3) انظر: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، لأحمد القلقشندي، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط2، 1400هـ/1980م، ص12، و102، و28، و109.
(4) نهاية الأرب، ص2.
(5) علماء نجد خلال ثمانية قرون، لعبد الله بن عبد الرحمن البسّام، دار العاصمة، الرياض، ط2، 1419هـ، ج2، ص495، و496.
(6) أرجح أن المخطوط انتقل إلى مصر من مكة المكرمة، حيث موسم الحج، وسوق الكتب الرائجة فيها، وذلك عندما كان الشيخ صالح البسّام مقيماً فيها، وهناك كتب أخرى انتقلت من مكة إلى الهند وأماكن أخرى.
(7) وقد طبع على عدة نسخ منها نسخة المترجم، بتحقيق نعمان محمد أمين طه، وصدر عن دار المعارف بالقاهرة، انظر: ج1، ص35 منه.
- عبد الله بن بسَّام البسيمي
الوشم - أشيقر: 11964- ص. ب 6075.
albusaimi2011@gmail.com