رغم أن المدينة تتزين بالعقود والمصابيح، ورغم أنها تطلق الألعاب النارية في سمائها، وتعلن عن حضورها بحفلاتها وعرضاتها الشعبية، ورغم أن هناك من يلهو في حدائقها، ومن يركض نحو مسارحها، ومن يتناول طعام العيد في فنادقها ومطاعمها، ورغم احتفالات الأسر ومباهاتهم بملابسهم وولائمهم، إلا أن هناك في الأحياء الشعبية في العاصمة، وفي مدن الأطراف وقراها من لا يجد قوت يومه، من لا يعني له العيد شيئاً، سوى زكاة فطر يتلقاها من محسن مسلم!
نعم هناك فقراء دقّ الفقر أعناقهم حتى لم يجدوا ما يسد رمقهم، وفقرهم هذا لا يرتبط بيوم أو يومين في السنة، بل طوال العام وهم يعانون سطوة الحاجة إلى الآخرين، لكنهم في يوم الفرح تزداد كآبتهم وحاجتهم إلى إخوانهم المسلمين!
وأيضاً، في غمرة الفرح في العيد، والتمتع بالحفلات والمتعة في المتنزهات، هناك من يرقد على الأسرة البيضاء، ينظرون من النوافذ إلى المدينة التي تحتفل بعيداً عن مشاعرهم، وحاجتهم إلى زائر يدلف من أبواب غرفهم حاملاً باقة ورد وبعض عيد مفقود، هؤلاء أيضاً، يحتاجون إلى من يعودهم، فديننا يؤكد دائماً على عيادة المريض بشكل عام، فكيف ستكون عيادته، ووقعها عليه، في غمرة انشغال الناس بالفرح والمتعة؟
ليس الفقر والمرض هما ما يجب أن نتذكرهما فحسب، بل ماذا عمّن يقضي العيد خلف القضبان، إما لدين لم يستطع الوفاء به، أو لمحكومية عليه استكمالها، فكم يحزّ في النفس أن يبقى رجل بعيداً عن أطفاله وبيته خلال يوم العيد بسبب دين لا يتجاوز عشرة آلاف ريال أو ما شابه!
كم هي أعيادهم ناقصة، وكم هي فرحتهم مسروقة، لأسباب متنوعة قد أكون ذكرت بعضاً منها، وربما نسيت البعض الآخر من الأمثلة التي تكون حاضرة في ذهنك عزيزي القارئ، لكننا نتفق أن علينا أن نبادر في حمل، ولو بعض الفرح، إلى هؤلاء المحرومين من الابتسامة، وليسوا بالضرورة أن نكون من مشاهير الفن أو الرياضة، وأن تلتقطنا الكاميرات ونحن نزور المرضى مثلاً، بل حتى لو كنا مجهولين بالنسبة للمريض أو الفقير، يكفي شعورنا به، وبحاجته إلى من يرسم البسمة على شفتيه، ولعل عملنا يكون خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى، بعيداً عن الرياء الذي قد يتسلل من عدسات المصورين، لأن هذه العدسات لن تتبعنا، ونحن لسنا من المشاهير في مختلف المجالات!
كم نحن محظوظون بأن نفعل ذلك، ونسند هؤلاء المحتاجين، دون أن تطاردنا متابعات الصحف والإعلام، فهل نبادر؟.