عبَّر الرئيس الأمريكي بوش الابن عام 2003م عن خطته لإعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط بصورة جديدة، تعتمد قيام أربع وثلاثين دويلة جديدة اتباعاً لما قدمه المفكر الصهيوني برنارد لويس في ادعاء كاذب يرمي إلى حماية الغرب المتمدن من الشرق المتخلف، كما يدعي حين قال «إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات؛ ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية».
وقد أطلقت كونداليزا رايس نظرية «الفوضى الخلاقة» من عقالها الفلسفي، وأسبغتها بالطابع السياسي الثقافي، وسعت إلى تلطيفها باعتماد آليات تنفيذ الخطة بما أسماه بعضهم بـ»السياسة الناعمة» التي تتكئ على إسهام منظمات المجتمع المدني وأصدقاء أمريكا وتفعيل مكاسب الإعلام الجديد في تحقيق القدر الأكبر من خطة التغيير، دون اللجوء إلى التدخل العسكري إلا في أضيق نطاق؛ وبخاصة بعد فشل أمريكا في تجارب الغزو العسكري بدءاً بفيتنام ومروراً بأفغانستان، وليس انتهاء بالعراق!
وتقضي الخطة كما هو معلوم وكما وردت في مصادرها عند واضعيها، ومن أبرزهم بريجيسنكي، بتجزئة التجزئة، وتقسيم المنطقة على أساس طوائف وأجناس وأعراق ومذاهب، وهو ما عبَّر عنه أيضاً الضابط الأمريكي «رالف بيترز» في مقالة له بعنوان «حدود الدم» 2006م، وهي جزء من كتابه «لا تترك القتال أبداً»، ويعبّر فيها عن ضرورة اعتماد تقسيم المنطقة على أصول عرقية وإثنية وطائفية، وعلاج ثغرات سايكس بيكو.
واتجهت أنظار كبار السياسيين والعسكريين في البيت الأبيض إلى العمل على تنشئة وتبني ودعم واستقطاب ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني في الدول العربية، وتكوين كوادر مختارة قادرة على التأثير والقيادة، وإيهامها بأن الغاية النبيلة التي تسعى لها أمريكا من «الفوضى الخلاقة» هي تحقيق المبادئ والمثل الإنسانية العليا التي تأسست عليها الولايات المتحدة، وتسعى إلى نشرها في العالم كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.. وتحت هذه اللافتة البراقة تم تنشئة واستقطاب عشرات من المفكرين ومن الكفاءات الشابة؛ لأن الثورات المرجوة لن تتم إلا على قدمين أو ساقين قويتين: فكر متقد قوي يطلقه منظرون ممتازون ذوو اتجاهات متعددة «إسلام سياسي» و»ليبراليون» و»وطنيون»، وشباب نشط مندفع يتبنى تلك الأفكار ويحارب من أجلها!
وكان من ثمرات الدعم الأمريكي أن نشأت منظمات عدة بمسميات مختلفة، وبجهود استخباراتية حثيثة من السفارات الأمريكية في الدول المعنية، كان لها دور بارز في تحريك الشوارع العربية ودفعها إلى التظاهر ورفع الشعارات وإحداث بلبلة واضطراب في الحياة السياسية وإرباك الأنظمة بأعمال التخريب أو الاغتيال أو حرق المباني والمنشآت العامة كما حدث في مصر مثلاً، وإحداث فتنة طائفية وصراعات أيديولوجية بين الجماعات ورفع شعارات المطالبة بتكوين دويلات عرقية أو دينية أو طائفية كما حدث في العراق كردية سنية شيعية، أو كما تطالب فئات في مصر بدويلة مسيحية في الإسكندرية أو نوبية في الجنوب، وكما حدث من انفصال لجنوب السودان عن شماله.
وقد كان لتبني نخب مختارة من المثقفين العرب للانضمام إلى منظمات أمريكية عريقة، تعمل في الاتجاه ذاته الرامي إلى تكوين مجتمعات شرق أوسطية جديدة، أثر في إضفاء لون من السمو في خطاب هذه النخب لما اتصف به هذا الخطاب من معان سامية تصب في التأكيد على قيم الحرية. كتلك الأسماء العربية التي استُقطبت إلى منظمة «فريدوم هاوس»، ومن أعضائها العراقية زينب السويح، والدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون، وداليا زيادة، وشريف منصور مدير برنامج التدريب في الشرق الأوسط المعني بتكوين الكوادر القادرة على قيادة الثورات.
كما تم إطلاق برنامج «جيل جديد» 2008م المنبثق من منظمة موفمنت دوت أورج «للمطالبة بالحريات وإسقاط الأنظمة».. وللحديث صلة.
moh.alowain@gmail.commALowein@