سلوك خاطئ منحرف وعمل مشين، هو الميل إلى ابتداع وتزييف الشائعات، وتزوير معلومات إضافية إلى ما ينشره الآخرون منها، ثم تمريرها مجدداً لتتسع دائرة مستقبليها من كل الشرائح المجتمعية لتجد من يصدقها ويعيد بثّها كحقيقة مسلّم بها، والدِّين والأعراف جرّمت هذا العمل لما ينطوي عليه من فتن ومخاطر على كل المستويات المحيطة بالمجتمع، فمن المنقول عن مفهومها: إنها معنى من معاني الانتشار والتكاثر، فهي نبأ مجهول المصدر سريع الانتشار، استفزازي الطابع في غالب الأحوال، وعرّفها أحدهم بأنها: مجموع سلوكيات خاطئة سريعة الانتشار، تُثِير البَلْبلة والفتنة في المجتمع، فهي معلومة ضَالَّة مُضَلِّلة، ومجموعة أخبار مُلَفَّقة تعمل على نشر الفوضى بين الناس، أو رواية مُصطَنَعة يتم تداولها دونَ النظر لمصدرها بقصد الإرجاف، صحيحةً كانتْ أو غيرها، يقول فضيلة الدكتور إبراهيم الحمود في محاضرة له بهذا المعنى: جاء التحذير من تلقف الشائعات والترويج لها صريحًا في قول الله جل وعلا في الآية (6سورة الحجرات) فسمّى الله ناقل الشائعة فَاسِقًا، ولا يخفى دور الفاسق في الإفساد في الأرض، وحَقٌّ على من سمعَ الشائعة أن يتثبت ويتأكد من صحة الخبر، وعليه أن يسأل نفسه: هل في إعلانه مصلحة.. أم أن المصلحة في الكتمان؟.. فكم أوقدت الكلمة الخبيثة من فتنة وكم أهلكت من أمة، ولا سيما إن كان مستثمروها من الفسّاق الذين يُرَوِّجون للباطل تحت شعار حرية الكلمة، وأي حرية هذه حين يجد أهل الباطل مَسْلَكًا لترويج أكاذيبهم، يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه من أجل التمويه والتضليل، فيَلْبِسون الحقَّ بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون، إن من يتولى كِبر الشائعات وترويج الأكاذيب وقلب الحقائق لا يعرف قدر مسئولية الكلمة، فالحرية لا تعني الخوض في الباطل، وعدد فضيلته أسباباً لذيوع الإشاعات منها: اتباع الهوى والجهل والنفاق والفراغ وحب الظهور والشعور بكراهية الآخرين، ويوضح د. أحمد شريف استشاري في الطب النفسي والعصبي في حديث لصحيفة سودانية: (إن من يخلقون الشائعات أو يعيشون عليها لا يمكن أن يكونوا أناساً أسوياء، بمعنى أنهم يعانون من خلل نفسي سلوكي، ويمكن أن نسميهم مريضي الشخصية، وهم يحتاجون إلى علاج نفسي ولكن للأسف لا يدركون أنهم يحتاجون لذلك)، وكم حذَّر علماء الأمة وفقهاءها ومثقفيها من مغبة السير خلف الشائعات دون تثبت وتمحيص وضرورة إخضاع الأمر إلى العقل والمنطق، ثمالعودة إلى ولاة الأمر وأهل الاختصاص، مؤكدين على أن من أسباب علاج هذه الشائعات الثقة في المسلمين عامَّةً وفي بلادهم وولاة الأمور، والثقة في علماء الإسلام الراسخين، وعدم قبول كلام الأعداء فيهم، فإن الثقة بهم هي الأصل، فالأصل في المسلم السلامة، وأما ما طرأ على ذلك فهو عارض، وربما انجرّت الأمة إلى مزالق خطيرة مؤلمة بسبب سيطرة إشاعة مغرضة نسجت بخبث وخبرة بالغة من أعدائها المتربصين بكينونتها وعزها وثرواتها ومقدراتها، فينجرف العامة دون وعي بهذا المسلك الوعر رغم مناشدة المسئولين والمختصين لثنيهم عن هذا الغي، فتطغى وسائل الدعاية المغرضة المدروسة على عقول السذّج ثم يكتشفون الضلال والخطأ الذي وقعوا فيه، غير أن العيب الفاجع في العودة مجدداً إلى الجادة ذاتها.
t@alialkhuzaimIbrturkia@gmail.com