يقول المتنبي في زمانه:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر في تجديد
نعم نقول: بأي حال عاد العيد على هذه الدنيا بمن فيها وليس ما خص به المتنبي شعره، وعناه، فقد عاد العيد وأحداث جسام حدثت في عالمنا الإسلامي وخاصة عالمنا العربي، بينما نجد أن مجمل أقطار الدنيا قد عاد إليها العيد دون حوادث كبيرة تذكر، فلم يكن فيها اقتتال كثير، ولا صراع على سلطات أو تغيرات كبيرة، بل ربما أحداث تدعو إلى التفاؤل مثل تحسن في الأوضاع الاقتصادية لبعض الدول ونمو في الناتج القومي، وارتفاع طفيف في دخل الفرد، وانخفاض قليل جداً في معدل البطالة، وقد يكون حدثاً مفرحاً من نوع آخر كما حصل في بريطانيا، وتلك الولادة الملكية لزوجة ابن ولي العهد البريطاني، والذي أعلنه القصر الملكي هناك، أو خبر آخر عن تقلد ولي عهد بلجيكا مقاليد الحكم بعد تنازل والده له عن كرسي الملك.
في عالم كرة القدم عاد العيد ولم يتغير شيء فما زال المنتخب الإسباني سيداً في هذا المضمار، وما زال لاعب برشلونة المشهور “مسي” أفضل لاعب في العالم، فلم يستطع قبل حلول العيد أحد من انتزاع الألقاب عن الفريق الإسباني أو عن لاعب نادي برشلونة الإسباني.
وفي عالم التقنية ما زالت شركة “أبل” تسجل أرقاماً جيدة في مبيعاتها رغم منافسة (سامسونج) لها، وأيضاً لم تأت شركة “مايكروسوفت” بجديد إلاّ أنها وعدت أنها ستغير من استراتيجيتها في مجالها لأنها رأت نفسها على مسافة تزيد اتساعاً مع منافسيها، ولم تظهر في العالم أي تقنية جديدة ملفتة للنظر، ولهذا فيمكننا القول إن العيد قد عاد دون أن يتحفنا علماء الأرض بشيء جديد ذي شأن لافت للنظر، ومؤشر، سواء في مجال الطب أو التواصل الاجتماعي، أو حتى أدوات الترفيه المعتادة، ومن الطبيعي القول إن المساهمة العربية في هذه المجالات تكاد لا تذكر، فلعل الله يفتح باباً من عنده لتخرج دولة عربية بمخترع لافت، نتغنى به في العيد القادم.
في مجال النقل لم يحدث شيء جديد، ومازالت السيارة أهم وسيلة للنقل، والقطار الرصاصة، كما يسمى وهو ما يربط بعض مدن اليابان، والقطار السريع، وغيرها، جميعها اختراعات قد مضت عليها أعياد عديدة ونحن نتطلع إلى وسيلة أخرى قد تكون أسرع وأسهل، بعد أن أصبحت الطرقات لا تحتمل بزحامها الذي لا يطاق، هو الخيار الأكثر استخداماً داخل المدن، فلعل مخترعاً جديداً يحل للعالم هذه المشكلة الكأداء.
والطائرات مازالت هي الوسيلة الأكثر استخداماً والأسرع للتنقل بين البلدان، والمدن، وفيما يبدو أنها ستظل كذلك، إلا إذا كان ذلك الحلم الذي يراود العلماء بالخروج من الغلاف الجوي والعودة مرة أخرى إلى الأرض يساعد في سرعة التنقل بين الدول المتباعدة. لو تركنا كل ذلك وعدنا إلى عالمنا العربي لوجدنا حوادث سياسية وليست علمية تحدث في مصر وتونس وليبيا وسوريا، حوادث مؤلمة ومحزنة، ونتمنى أن تنتهي على خير وإلى خير، لينصرف الناس إلى البناء بدل التقاتل، وإلى التفاهم بدل التجادل، وإلى الوفاق بدلاً الفراق، وكأن لغة التفاهم لم تعد موجودة، والانصراف إلى البناء لم يكن ممكناً، ولو اشتغل الناس بالاقتصاد والسعي وراء لقمة العيش بمقدار انشغالهم بالسياسة لكانوا أنجزوا الكثير الذي قد يعود بالفائدة على ما هو مرجو من السياسة والسياسيين، فلا يمكن للسياسي مهما كانت قدرته أن يحدث تغييراً إذا لم يكن الاستقرار موجوداً، ولا يمكنه أن يحفز الاقتصاد وأدوات تفعيله غير متوفرة، ولا يمكنه أن يحدث تغييراً في النمط الاجتماعي. وإذا لم يكن الاستقرار متاحاً، والاقتصاد يسير إلى الأمام، فلا يمكن لأي كان أن يحدث تغييراً إذا ما كانت البنية التحتية متاحة لذلك، وفي مقدمتها قبول الآخر والتعاون معه وإشراكه في عجلة التنمية، فلا يمكن لفئة أو مجموعة أن تقوم بالبناء مع الإقصاء، وإذا لم تكن هناك سبل متاحة للحصول على لقمة العيش فلابد للشعوب أن تحدث من الفوضى ما يجعل الوضع أكثر سوءاً، ولهذا فلابد من التوافق حتى يتم الانشغال بالبناء والحصول على لقمة العيش الكريمة، وبها وحدها يمكن القول إن تلك الدولة قد ركبت قطار النماء وسارت في درب التنمية والاستقرار.