كتب الشيخ إبراهيم السكران مراجعة لكتاب: التنوير الإسلامي في المشهد السعودي تأليف الشيخ: عبدالوهاب بن عبدالله آل غظيف بعنوان: «من هم التنويريون»؟
وحيث إني قد قرأت الكتاب رأيت أن الشيخ قدم صورة سريعة وعامة عن الكتاب.
مع أن الكتاب كما قال الشيخ: «أول كتاب قدم استعراضاً، وتحليلاً، وتقييماً، علمياً لموجة التنوير السعودية، وعرف بها، وأهم أفكارها، ومقولاتها، والتطورات التي لحقت بها خلال الحقبة السابقة».
وأضاف مثنياً عليه: «ومن أهم سمات وخصائص هذا الكتاب.. هو غزارة وكثرة الإشكاليات التي عالجها برغم وجازة حجمه». من أجل هذا رأيت أن من المناسب عرض شيءٍ مما أورده المؤلف في كتابه، مكملاً بهذا العرض عمل الشيخ إبراهيم وفقه الله.
(1)
قسم المؤلف كتابه ثلاثة أقسام:
الأول: تناول فيه المبادئ المؤثرة في الفكر التنويري وضح فيه «أن السؤال التنويري في أساسه ناشئ من ضغط الحضارة الغربية «وعرض فيه» أبرز الأفكار والمصطلحات الغربية المؤثرة في ظاهر التنويرية» [ص24].
مما يتميز به هذا الكتاب هو عرضه للإشكالية، ثم تبيين أصل نشوئها، ثم ذكر شواهدها الفكرية في الأطروحة التنويرية، فتجده يوضح مشكلة التنوير مع مصطلح الحرية أنها «تكاد ترجع إلى أمرين: أولهما صار مرجعية، وثانيهما: النفرة غير المفهومة من تقييده بالشريعة» [ص25].
ثم تجده بعد العرض لإشكالية التنوير مع مصطلح الحرية يعرض عليك ما أنتجته هذه الإشكالية من آثار في الأطروحة التنويرية، كحرية رفض الشريعة «في الديمقراطية» وينطلق المؤلف لعرض ما ينتج عن هذا الإشكال ومناقشته بأمانة وتجرد يعين طالب الحق على تبيّن سبيل الصواب.
مثلاً في حرية الرأي يقول: «إن الموقف من حرية الرأي (بين الإسلام والفكر الغربي) لا يحتمل تلفيقاً، إمّا أن نؤمن بالإسلام دون ارتياب وشك، وبالتالي نؤمن بثنائية الحق والباطل وبأن تقرير الباطل وترويجه بين المسلمين يندرج ضمن (المنكرات والمعاصي)، وإما أن نؤمن بنسبية الحقيقة، ولا نقطع بإسلام ولا غيره، ولا نرى في الآراء منكرات ومعاصي فعندها نستطيع أن نقول بحرية وفق تصور تنويري..» [ص32].
(2)
تميزت كتابةُ المؤلف بالشمولية، فهو عندما يناقش قضية ما لا يفوت عليه أن يعرض الشُبَه المثارة فيها، والرد عليها، ويكشف تصادمها مع بعضها أو مع الدليل والعقل.
ففي مسألة نسبية الحقيقة يتعجب «أن هذه النسبنة لا تشهر إلا في وجه المفاهيم الدينية، بينما يتم تناسيها والتغافل عنها حين الحديث عن النظم والمبادئ والأفكار البشرية القابلة للنقد مثل: نظرية السياسة الديمقراطية، ونظريات الحقوق والحريات..» [ص44].
(3)
كتب المؤلف فصلاً رائعاً لعرض ومناقشة التصور التنويري لمفهوم الديمقراطية، ناقش فيه دقائق تصور الديمقراطية عند التيار التنويري، ونقل أبرز ملامحه من كتاباتهم وكتبهم وخلص إلى أن «خلاصة التصور التنويري في قضية الديمقراطية: أنهم يعتبرون صوت الأكثرية مصدراً للسلطات جميعها بما في ذلك التشريع، ويعطونه صلاحية التمرد على الشريعة ونبذها من جهة، ومن جهة أخرى: لا يتناولونه كمرجعية مطلقة بل يقيدونه ببعض الحقوق والمبادئ الوضعية» [ص50] ثم أخذ في مناقشة هذا التصور بشكل دقيق وعميق.
(4)
ثم درس في القسم الثاني من الكتاب: القضايا الشرعية وموقف التيار التنويري فيها.
ففي موقفهم من السنة يحلل المشكلة ويبين سبب حدوثها فيقول: «فكما توهم قومٌ من نصوص الصفات أن فيها تشبيهاً فأنكروها، توهم هؤلاء من نصوص السمع والطاعة أن فيها ذلاً وسكوتاً عن المنكرات ثم أنكروها، والسمة الجامعة بين الفريقين والتي في ضوئها تكون مثل هذه المعضلة: قلة العناية بالسنن والآثار، وقلة التفقه فيها» [ص85].
(5)
إضافة إلى مناقشته للموقف من فهم السلف والإجماع، ناقش الموقف من التراث الإسلامي، ووضح تأثر التنوير بالثقافة الغربية فمن ذلك قوله: «موقف التنوير من معاوية رضي الله عنه من شواهد العدسة الغربية التي ينظر من خلالها التنوير في تقييم تاريخ وتراث الإسلام، فعوضاً عن الإجماع على فضل الصحابة ومكانتهم عموما -ومعاوية خصوصا- فإن هذه المكانة ستغدو في مهب الريح عند من يمحور قضايا المشاركة السياسية على حساب المضامين الشرعية، ولذا ظهر في الطرح التنويري الثلب في معاوية -رضي الله عنه- لأنه أوصى بالخلافة لولده من بعد، ولم يشفع له مكانته في الصحبة وكتابته للوحي وخؤولته للمؤمنين -رضي الله عنه- وحكمه للأمة على كتاب الله لمدة عشرين سنة بعد الخلافة الراشدة وعدله وجهاده وغيرها من فضائل عظيمة.. كلها لم تشفع له لتكفر هذا الخطأ كما يقولون!
وهذه نتيجة متوقعة لمن ذبلت عنده معايير الشرع واستبدلها بمعايير الغرب والحريات الوضعية، فإن القضية الأهم في الفكر التنويري ليست شرع الله، وإنما في حرية الناس، ولذا كفلوا لهذه الحرية تنحية الشرع، ورفضوا الشرع الذي لا يكفل هذا الحرية» [ص92]. ثم أكمل المؤلف عرضه لموقف التيار التنويري من القضايا الكلية في الشريعة.
تناول بعدها بالنقاش والتحرير بعض الأحكام الشرعية الجزئية كغاية الجهاد وجهاد الطلب والجزية وعقوبة المرتد وقطع السارق والرجم وولاية الكافر وولاية المرأة.
(6)
ثم تناول المؤلف: التنوير إشكالية الإصلاح والمنهج والنقد، وهو القسم الثالث من الكتاب.
تجلى هنا إنصافه للتنويريين، وذلك أنه أبان عن شكره لجهاد بعضهم في الإصلاح، كما بين موطن الخلل في المنهج الذي عليه يسيرون، فمن حروفه في هذا: «وبعضهم ممن له جهاد مشكور في ميدان مواجهة الاستبداد يخلط صنيعه ذاك بنقدٍ للخطاب الشرعي يستبطن في نقده ذلك التلازم بين (الإصلاح الشرعي - أو الديني) و(الإصلاح السياسي)، ونجد أن كثيراً منهم يكون عمله في غاية الأهمية والإحكام حينما يتوجه بسهامه للمستبد، ولكنه يكشف عن هشاشة وضعف وتخليط حينما يتوجه إلى محاولة الإصلاح المفاهيمي، وذلك لأن قيمة المرء ما يحسن، وهؤلاء ليس عندهم من الخبرة والمعرفة بعلم الشرع ما يؤهلهم لمرتبة النقد المعرفي الشرعي، وإضافةً إلى الجهل يكون عند بعضهم منطلقات منحرفة تناقض المنطلقات الشرعية، فلا يهتدون للصواب في نقدهم» [ص115].
وبعد أن بيَّن انحراف مواقفهم في الإصلاح السياسي أورد كلام (فهمي جدعان) عن ممارسة علي عبدالرازق الفاشلة الذي قال فيه: «ممارسته لفضيلة الشجاعة في المنطقة الأقل خطراً تجنباً لسوء العاقبة، فهو باعتباره ممثلاً لموقف سياسي يمكن أن يكون هو موقف حزب الأحرار الدستوريين لم يجرؤ على مهاجمة رغبة سلطان مصر في التحلي بثوب الخلافة من أجل أن يحمي سلطانه بستار الدين وقواه، ولم يجد أمامه إلا أن يثير المعركة مع الأوساط الدينية، فبدلاً من أن يتصدى لخصمه الحقيقي ويقول له: إن شروط الإمامة والخلافة غير متوافرة فيه إطلاقاً، تصدى لهذه الأوساط وزعم أن فكرة الإمامة باطلة أصلاً، فأصابت الرمية الإسلام نفسه لا السلطان» [ص117]، علّق المؤلف على هذه الصورة وهذا الوصف فقال: «وما أصدق هذا التوصيف على كثير من التنويريين» [ص117].
والمؤلف بتعليقه هذا يؤكد ما يقوله أحد رموز هذا التيار الذي نقل كلامه في نفس الصفحة: «هذا التيار أجندته ليست سياسية، لكنها ثقافية في المقام الأول، تقوم على نقد التيار السلفي، وتفكيك بنيته التقليدية، فهو تيار فكري ثقافي، أكثر منه سياسي، لذلك فهو -إلى الآن- غير معني بشكل مباشر بالإصلاح السياسي، بقدر عنايته بالإصلاح الثقافي، لذا لا توجد له مشكلة مع السلطة السياسية».
(7)
بعد ذلك تناول المؤلف بعض مصطلحات التي يقدمها بعض التنويرين كالاحتساب المدني وغيره، وتناول بعض المعالم في منهجية الفكر التنويري، كما ناقش قضية نقد الإسلاميين في الخطاب التنويري، وختم المؤلف بجني التنوير وثمراته.
(8)
وقبل الختام أحب أن أنبه إلى أمور:
- الرؤية التنويرية لم تصل بعد لمرحلة النضج، ويُظهر هذا استيرادها للمزيد من المفاهيم الغربية العلمانية كلما زاد الطرح، ولهذا أشار المؤلف بقوله: «ولقد مثلت العلمانية في الأطروحة التنويرية كرة الثلج التي تكبر يوماً بعد يوم بتسارعٍ ملفت» [ص77] وهذا الاستيراد المستمر يدعو دارس الحالة التنويرية إلى متابعة ما يجدّ في هذا الخطاب.
- اعتمد المؤلف في الثلث الأول من الكتاب بشكل شبه تام على أطروحات ثلاثةٍ من رموز هذا التيار، نعم ثلاثة فقط!، خصوصاً في عرضه للمبادئ المؤثرة في الفكر التنويري ومنهم كان ينقل.
- مر المؤلف على عدد من المفاهيم كالتعددية والتسامح والتعايش مروراً سريعاً على خلاف منهجه في باقي الكتاب، ولأن الكتاب يصلح إجابةً لسؤال: من هم التنويريون؟! كان من الأجمل أن يناقش هذه المفاهيم حتى لا يبقى القارئ غير قادر على رد الفكرة التنويرية -في هذه المفاهيم- في شبهة.
- هذا العرض البسيط هو بعض مما في الكتاب من الفائدة وأرجو أن أكون قد وفقت في نقل بعض المعاني دون إخلال.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن.
حساب المؤلف الشيخ عبد الوهاب آل غظيف على تويتر: @wahhab11حساب الكاتب في تويتر: @M_Almuhanna