|
كتب - عصام عبدالحميد:
لم تشفع مشاهد التعذيب والضرب والشتائم في إقناع المشاهد السوري بأن مسلسل الولادة من الخاصرة كان مختلفا عما سبقه من أعمال أو أجزاء، بل ترسخت القناعة بأنه مسلسل حظي برضا الاستخبارات السورية رغم كل المحاولات التي بذلتها لتقديم صورة مغايرة.
وحفلت صفحات الناشطين السوريين بعشرات الانتقادات حول المسلسل ورسالته التي كانت بمثابة السم في العسل حيث أظهر الحراك الشعبي للمطالبة بالحريات والحقوق والكرامة باعتباره تصرفات فردية يقف خلفها أناس متعددو المشارب تحركهم المصالح الخاصة وحبهم للتسلط والمال فظهر الثوار وكأنهم قطاع طرق ومافيات وعصابات تقوم بالقتل والخطف والابتزاز مقابل الجيش (الملائكي) الذي يدافع عن الوطن والإنسان ويحارب الفساد المنحصر في أشخاص وأفراد محدودين يتصرفون دون علم (القائد) الذي لم يظهر إلا في الصور على خلفية المكاتب.
لقد كان الجزء الثالث من الولادة من الخاصرة أكبر خدعة إعلامية قدمها النظام الأسدي لتبرير وجهة نظره مما يجري وجند لها أدواته المعروفة وغير المعروفة للترويج لها ونشرها على نطاق واسع بداية من تمرير خبر اعتقال كاتب المسلسل سامر رضوان قبل عرضه حيث تم إطلاق سراحه بعد عدة أيام وعاد إلى بيته دون أن يتعرض للضرب أو حتى بعض الشتائم التي حفل بها مسلسله، وصولا إلى السماح لهذا الكم الكبير من الممثلين السوريين المؤيدين بقوة للنظام في الاشتراك في العمل وهؤلاء لم يكن بمقدورهم أن يشاركوا بهكذا عمل لولا ضوء أخضر سمح لهم بالسفر إلى لبنان والعودة إليه خلال فترة التصوير دون أي حساب أو مساءلة، إلى جانب الشبهة التي تحوم حول كاتب المسلسل باعتباره ضابطا علويا عمل في الاستخبارات العسكرية واستقال ليتفرغ للعمل الإعلامي انطلاقا من قناة الدنيا (سيئة الذكر)، حيث كتب مسلسل لعبة الطين قبل سنوات ليفضح بشكل (مقبول) ممارسات بعض ضباط المخابرات وفسادهم قبل أن يطلق الولادة من الخاصرة الذي حظي برعاية رسمية من المخابرات السورية، حيث تولت المخرجة رشا شربتجي إخراجه بإشراف زوجها الضابط الرفيع في شعبة الأمن السياسي.
لقد حمل (منبر الموتى) وهو الاسم الذي أطلق على الجزء الثالث من (الولادة من الخاصرة) الكثير من الرسائل غير المباشرة التي شوهت الحقيقة وقدمت الثورة السورية على غير حقيقتها مقابل إظهار معاناة أهالي جنود النظام الذين يقتلهم أفراد (العصابات المسلحة)، وتشويه حالات الانشقاق في صفوف أفراد الجيش أو الحكومة وتقديم نماذج سيئة من الثوار وإخفاء المعاناة الحقيقية للشعب التي كانت شرارة التحرك لكل ما حدث في سورية.
وثمة حقيقة مهمة حرص المسلسل على تقديمها من خلال لهجة كبار ضباط الاستخبارات الذين كانوا يتحدثون باللهجة الشامية دلالة على الانتماء الديني لهم من (السنة) وهي حقيقة يعرف أصغر سوري إنها ليست صحيحة لأن معظم ضباط وكوادر أجهزة الاستخبارات السورية ينتمون لطائفة معينة بينت الأحداث الأخيرة مدى الحقد والكراهية الذي تحمله للسوريين من غير طائفتهم.
لقد ظن صناع المسلسل أنهم استطاعوا خداع الجميع بهذا الجزء من الولادة من الخاصرة ونسوا أن الشعب السوري الذي تعرض لأكبر معاناة في التاريخ الحديث لم تعد تنطلي عليه حيل وألاعيب النظام القاتل الذي يصر على البقاء رغم كل الدمار والقتل الذي تسبب به.
أخيرا، أداء الممثلين والموسيقى التصويرية والإخراج وكل الأمور الفنية قضايا هامشية لا تستحق الوقوف أمامها أو الإشارة إليها أمام فداحة ما يحدث على أرض الواقع من جرائم يندى لها جبين البشرية.