ليس سراً أن تمتلك إيران شبكات هائلة من التواصل الاجتماعي، وذلك عبر استغلال الشبكات العنكبوتية بقدراتها المادية، والبشرية، واللوجستية؛ لتشكل قوة مخابراتية ذات بعد طائفي؛ ولتشارك في نشاطات سرية، تتراوح ما بين التجسس، وزرع بذور الفتنة؛ ولتصبح فكرة المبادأة أهم وسيلة للدفاع في الحرب الخفية مع أجهزة استخبارات دول المنطقة. لاسيما ونحن نعيش فوضى الربيع العربي، إضافة إلى تعدد الخلايا الإيرانية، التي يتم اكتشافها - بين الحين والآخر - في دول الخليج، وفق ما تمليه نظرية ولاية الفقيه بما يتلاءم مع المستجدات، ودون التخلي عن الأفكار الأساسية التي قام عليها، أو التفريط في المكتسبات التي حققها.
لا أعتقد أن إيران قادرة على جمع معلومات استخباراتية إستراتيجية؛ لكنها قادرة على إنشاء شبكات للعمليات السرية، تعمل قدر الاستطاعة في إعادة رسم سياستها الاستخباراتية، كأسلوب ضاغط على تلك الدول، عن طريق بث سلسلة متلاحقة من الأفكار الخبيثة، والتي تمثل بالونات اختبار تقيس من خلالها ردود الأفعال، وتعمل على وضع الخطط السرية على المدى القريب، والبعيد، والتحرك السريع الفعال وفق ظروف الأحداث.
وبالتالي، فإن الحديث عن الدبلوماسية الإيرانية، يعني الحديث أساساً عن المخابرات الإيرانية، وهو ما أشار إليه الكاتب ماهر تقي، بأن هنالك طواقم دبلوماسية كاملة لا علاقة لها بالدبلوماسية، بل بعوالم الاستخبارات، والتجسس، خصوصا وأن هنالك نقاط جغرافية حساسة، تمثل بؤراً إستراتيجية للاستخبارات الإيرانية، وأهمها : تلك الواقعة في دول الخليج العربي، والعراق، وسوريا، ولبنان، ومصر، والمغرب، وبعض المناطق الإفريقية، إضافة إلى أمريكا اللاتينية. وبالنسبة للخليج العربي، فإن دور التجاوز الرسمي الإيراني فيه قد فاق كل الدوائر، وأثر على مناطق عمل إستراتيجية فاعلة، تنطلق من عوامل، ومبررات مشجعة من حيث الاصطفاف، والولاء الطائفي، والقدرة الإيرانية الاقتصادية، والاجتماعية، والتنظيمية على اختراق بعض المجتمعات الخليجية، وبكفاءة، وبعض الاختراقات خطيرة للغاية، وتمثل نجاحا استخباراتيا إيرانيا ملفتا للنظر، وذلك ملف شائك، وطويل، معقد، والاسترسال فيه سيدخلنا في عوالم واسعة، ومفتوحة للجهد الاستخباري الإيراني، المنطلق من عقيدة عمل سياسية، وطائفية، وقومية. ثم إن للمخابرات الإيرانية في الخليج العربي أدوات عمل، وواجهات، بعضها محلي صرف، وبعضها يكمن في بعض المفاصل الإستراتيجية لدول المنطقة، وحتى في دوائر الدراسات السياسية والإستراتيجية، وحجم التمدد الاستخباري الإيراني المباشر أو غير المباشر من خلال شبكة مخابرات، هو أخطر بكثير مما يتصور البعض.
من أهم محاور التشابكات الأمنية التي تعيشها المنطقة، تلك الاضطرابات، وما طرأ عليها من تدخلات إيرانية سافرة؛ من أجل تحقيق المشروع الاستعماري الإيراني، الذي تبناه نظام ولاية الفقيه منذ قيام الثورة في عام 1979م، والذي برز في صور عدة، لعل من أهمها : القيام بعمليات استخباراتية لصالح المخابرات الإيرانية، وجمع معلومات سياسية، واقتصادية، وعسكرية؛ لصناعة الفوضى، وتأجيج العنف الديني، سواء من خلال البعد العقائدي، أو البعد المتعلق بمصلحة النظام، والتي جندت له إستراتيجية خاصة، تستند إلى مصادر، وإمكانات، وطاقات لتنفيذها. ولذا لم يكن مستغرباً ما نشرته صحيفة الاندبندنت البريطانية، بأن أكثر من “3000 “ حساب في تويتر تهاجم السعودية، وتحرض على الفتنة، وتبث سمومها للشعب السعودي، وتتكلم من على ألسنتهم بأسماء سعودية، علماً بأنها تدار من إيران، والعراق، ولبنان، وتابعة للمخابرات الإيرانية.
وتصديقا لما سبق، فقد حدثني رئيس حملة السكينة للحوار، والتابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الشيخ عبد المنعم المشوح، بأنهم وجدوا مئات من الصفحات الإلكترونية، تنتج مقاطع فيديو، وتقوم بنشرها جهات معلومة، بهدف التهييج، والخداع، وإحداث الفتنة، والفوضى، والعنصرية في الداخل السعودي، مؤكداً أن هذه الحسابات تتواصل مع الجمهور على أنها سعودية، إلا أنه قد تم اكتشاف مصدرها، وأنها تأتي من إيران. وأشار إلى أن الحملة ضد السعودية كُثِّفت في الفترة الأخيرة بشكل كبير، وأنها تستخدم أكثر من أسلوب؛ لتسويق مضامينها الإعلامية، منها استخدام أسماء سعودية؛ للإيحاء بأن وراءها أشخاص من السعودية، وبالبحث عن أولئك المستخدمين، ثبت أنهم من إيران، أو من بعض المدن العراقية، وكذلك من يعلقون، ويسجلون الإعجاب بما هو مكتوب. كما أخبرني بأن هناك مدونات هي في الأصل إيرانية، لكنها متخصصة في الهجوم على علماء السعودية، ومشايخها، وإثارة الاضطرابات، والقلاقل.
صحيح أن الجهات الأمنية تمتلك الخبرة في التعامل مع طبيعة التكتيكات المخادعة، إلا أن تحصين السور الداخلي للوطن، ومنع رياح الفتنة، أصبح حقا مشروعا. كما أن الإمساك بزمام المبادرة، ومتابعة تلك الحسابات الإرهابية، سيحول دون تحقيق أهداف إيران الدينية، والمذهبية، والطائفية، وبالتالي قطع الطريق أمامها في عملية قيامها بدورها الإقليمي.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية