في الأعياد يتضح نقص الراتب أكثر من الأيام الأخرى. العيد يعني متطلبات إضافية، أهمها توفير أسباب الفرحة للأطفال. الكبار لم يعودوا بحاجة إلى الفرح، لأنهم حتى وإن توفرت لهم أسبابه لا يشعرون به. هم مشغولون بالتفكير فيما يثرثرون به في المجالس وفي المستقبل. أزمنة الفرح البريء بالثوب الجديد والعيدية والعلك والحلوى والأكل المتنوع، تلك أيام خلت وانتهت. لم يبق للبيوت من مظاهر الفرح سوى محاولة توفيره للأطفال، فهم ما زالوا على الفطرة السليمة ويفرحون ببراءة طفولية.
لهذا السبب، سبب الوضوح في نقص الراتب أيام العيد، أغامر بالكتابة عنه في أيام العيد. ليسامحني القراء لو كدرت خواطرهم، وإنما الأعمال بالنيات، ونيتي الوقوف في صف ذوي الرواتب الضعيفة ومن ليس لهم بعد الله سوى الضمان الاجتماعي أو حافز.
أعود إلى الموضوع، موضوع الراتب هل يكفي أو لا يكفي الحاجة الذي كان مثار استقطاب كبير للتواصل الاجتماعي وأخذ أحيانا ً صيغاً هجومية وحقق أرقام تواصل مليونية.
أعتقد أن الراتب قد يكفي بالشروط التالية:
أولاً: نظام صحي بهذه المواصفات: معاينة طبية سريعة، فحص احترافي دقيق، علاج مناسب، تنويم فوري عند الحاجة، متابعة وإعادة تأهيل حسب الحالة. قبل هذا كله وجود نظام رعاية أولية هدفه الأساس الوقاية قبل الاستفحال الذي يصعب علاجه.
التعليل: بهذه الشروط سوف يسقط عن كاهل صاحب الراتب المتدني أعباء مهمة وأوقاتاً يهدرها في المراجعات وفي البحث عن الواسطة والتنقل من مؤسسة طبية إلى أخرى. دعونا نفترض أن ربع الراتب على الأقل سوف يتوفر لتغطية تكاليف أخرى.
ثانياً: دوائر حكومية تطبق النظام على الجميع، موظف كفؤ، بت سريع في المعاملات، أوراق إجرائية أقل أو ملف إلكتروني لا يحتاج لحضور المواطن. بهذه الشروط يوفر المواطن مبالغ الرشوة ومشاوير المواصلات والبحث عن الواسطات.
التعليل: كم هو الوفر من الراتب بهذه الطريقة ؟. لا أدري وأظنه يمثل مبلغاً لا بأس به.
ثالثاً: محاكم شرعية بساعات عمل فعلية، قضاة وكتاب عدل متعففون عن التكسب والمحسوبية، بت سريع في القضايا حسب وصولها، جهاز تنفيذي صارم للأحكام، محاكم شرعية مفتوحة للحضور، ما عدا في حالات خاصة بشروط المتخاصمين.
التعليل: يصعب حصر المبلغ المتوفر من الراتب بهذه الطريقة، لكن إذا حسبنا المواصلات والزمن الفاقد والتسويف في الوصول إلى الأحكام النهائية، بالإضافة إلى بعض الأموال المدفوعة أحياناً (نادراً إن شاء الله) لشراء الذمم.. إذا حسبنا كل ذلك سوف يكون الوفر لا بأس به.
رابعاً: نظام مرور بحضور مرئي وسريع التدخل والبت في الحوادث والمخالفات بدون فزعات تعاطفية أو محاولة إقناع بالتصالح رغم وضوح الوقائع على الأرض.
التعليل: أظن التوفير من الراتب في هذه الجزئية فقط ليس بالقليل.
خامساً: نظام أو مشروع إسكان يسحب الأراضي الممنوحة ممن لا يحتاج ولا يستحق ويوزعها على من يحتاج ويستحق.
التعليل: في هذه الجزئية سوف يكون المكسب هائلاً لأن نصف المرتبات في هذه البلاد العزيزة يذهب للإيجار.
سادساً: إحلال الشباب المؤهل العاطل عن العمل محل من تعدوا سن التقاعد وقليلي الكفاءة، والمتسيبين والمرجئين والمعطلين والمرتشين، وإحالة كل هؤلاء إلى الاستيداع التقاعدي، مع مراعاة ظروفهم بعد التقاعد لتفادي انزلاقهم إلى ما دون خط الفقر.
التعليل: يأتي لاحقاًً.
سابعاً: حضور رقابي واضح بالاسم والنمرة والاستمارة لوزارة التجارة بالسوق، مع صلاحية التشهير بالغشاش ومصادرة أرباحه وإلزام الجميع بوضع تسعيرة رسمية ثابتة، ورصد البائع والمسوق الأجنبي بطريقة «زووم».
التعليل: الوفر من الفقرة الخامسة والسادسة يفتح أبواب التفاؤل للتوفير والزواج المبكر والاستقرار العائلي وكبح السفر لدواع غريزية لعدم القدرة على الزواج، والانصراف لتربية أجيال المستقبل، لأنه أصبح أمام الشباب المحبط ما يدعو إلى التفاؤل. أما التوفير من تطبيق الفقرة السابعة فاسأل عنه أصحاب العوائل كبيرة العدد الذين ينهب التجار بطريقة منهجية وموسمية جل ما يدخل جيوبهم من رواتب واحتمالات نادرة في العلاوات والمداخيل الجانبية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فقولوا آمين. ملاحظة: أعتذر لمن يهمه الأمر من القراء الكرام عن غيابي في الاثنين القادم لظروف العيد، وعيدكم مبارك وسعيد إن شاء الله.
الرياض
