|
بريدة - بندر الرشودي:
يتساءل كثير من المتخصصين والمزارعين والمهتمين بالنخيل هذه الأيام عن أسباب ظاهرة «الطلوع المتأخرة» (تزهير النخلة مرة أخرى ومحصول الموسم ما زال على النخلة لم ينضج بعد) التي ظهرت في معظم مزارع النخيل بمنطقة القصيم هذا الموسم من عام 1434هـ.
البعض أرجع السبب للتباين في درجات الحرارة والبعض الآخر أرجعها إلى طول فترة الإضاءة وشدتها وآخرون أرجعوها إلى زيادة العناية بالنخلة من ري وتسميد وخلافه.
ولكي يتم تحديد السبب بشكل علمي وسليم لا بد لنا من الإجابة على كثير من الأسئلة التي توجهنا بها لعميد الدراسات العليا بجامعة القصيم والمشرف على كرسي الشيخ صالح كامل للنخيل والتمور بالجامعة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن إبراهيم الحميد, حيث طرحنا عليه السؤال التالي:
* هل لطول فترة الإضاءة أو شدتها تأثير على عملية التزهير بالنخيل؟
فقال: إن النباتيين يقسمون النباتات بشكل عام حسب استجابة عملية التزهير لطول فترة الإضاءة إلى ثلاثة أقسام هي:
- نباتات النهار الطويل: Long day plants
وهي النباتات التي لا تزهر إلا إذا تعرضت لنهار طويل (أو بمعنى آخر أنها تزهر إذا كان الليل أو فترات الظلام قصيرة).
- نباتات النهار القصير: Sort day plants
وهي النباتات التي لا تزهر إلا إذا تعرضت لنهار قصير (أو بمعنى آخر أنها تزهر إذا كان الليل أو فترات الظلام طويلة).
- النباتات المحايدة: Neutral plants
وهي النباتات التي لا تتأثر عملية التزهير فيها لا بطول فترة الإضاءة ولا بشدتها.
ويصنف النخيل علمياً بأنه من النباتات المحايدة, لذا فإنه من المستبعد أن يكون لطول أو قصر فترة الإضاءة تأثير على ظاهرة الطلوع المتأخرة بالنخيل.
ثانياً: هل لدرجة الحرارة تأثير على عملية التزهير بالنخيل؟
يمكن القول باختصار إن النخلة لها برعم طرفي (مرستيم قمي) واحد وهو قلب النخلة أو ما يسمى بالجمارة وهو ضابط إيقاع نمو النخلة, بحيث لو تلف أو مات لأي سبب من الأسباب ماتت النخلة، وهناك في نفس الوقت براعم جانبية جديدة (مرستيم متخلف عن المرستيم القمي عند نمو القمة النامية) تتكون باستمرار في قمة النخلة مع نمو النخلة. هذه البراعم الجانبية إما أن تتحول إلى أوراق (سعف) أو إلى براعم زهرية (عذوق) حسب نسبة هرمونات السيتوكينين إلى الجبرالين وكذلك نسبة الكربون إلى النتروجين (C:N Ratio) في تلك البراعم, فإذا زادت نسبة السيتوكينين على الجبرالين تحول البرعم إلى برعم زهري (عذق) أما إذا زادت نسبة الجبرالين على السايتوكينين تحول البرعم إلى برعم ورقي (سعفة) وبطبيعة الحال فإن الجبرالين يصنع في قمة النخلة (القمة النامية) والأوراق الصغيرة, أما السيتوكينينات فتصنع في الجذور.
وكما هو معروف فإن تصنيع السيتوكينين وانتقاله من الجذور إلى البراعم الجانبية في قمة النبات يتأثر بدرجة أساسية بدرجة حرارة الجذور, فإذا زادت نسب السيتوكينينات مقارنة بالجبرالينات بالبراعم العلوية الجانبية فإنها تبدأ عملية تسمى مرحلة تكوين البراعم الزهرية (flower bud initiation) وفيها يتم التحول الهرموني والكيميائي للبرعم ليكون قادرا على تكوين الأزهار ولكن لا تتكون الأجزاء الزهرية, يليها بحوالي 6 إلى 8 أسابيع في حالة النخيل مرحلة تكشف البراعم الزهرية (flower bud differentiation) وفيها تتكون الأجزاء الزهرية ثم بعد ذلك بعدة أسابيع (في حالة النخيل) تبدأ الأجزاء الزهرية في النمو لتكوين العذوق.
وأشار الدكتور الحميد إلى أن عملية التزهير بالنخيل تحتاج إلى:
1- تعرض النخلة لمجموع ساعات برودة تراكمية محددة (chilling requirement) وفيها يتم التشكل الكيميائي الحيوي والهرموني والفسيولوجي للبراعم الزهرية وهذه تتم في الشتاء.
2- يجب أو يشترط تغلب نسبة تراكم هرمونات السايتوكينينات على نسبة هرمون الجبرالين في البراعم الجانبية العلوية لكي تظهر البراعم الزهرية.
3- تفوق أو زيادة نسبة الكربون على النتروجين (C:N Ratio) في تلك البراعم وهذا يتم عن طريق تراكم الكربوهيدرات بشكل أكبر بالنخلة المخدومة.
واختتم الدكتور عبدالرحمن الحميد حديثه للجزيرة بالتأكيد على أن ظاهرة «الطلوع المتأخرة» التي ظهرت على النخيل هذا العام في معظم المزارع في منطقة القصيم هو بسبب التغير المناخي الذي حدث هذا العام حيث هطلت أمطار غزيرة على مدى حوالي أسبوعين مصحوب بانخفاض بدرجة الحرارة بتلك الفترة مما أدى إلى انخفاض درجة حرارة الجذور للنخلة الذي أدى بدوره إلى زيادة تصنيع هرمونات السيتوكينينات بالجذور ومن ثم انتقالها إلى البراعم الجانبية العلوية الناضجة فسيولوجيا مما أدى إلى تحولها إلى براعم زهرية ومن ثم ظهورها, لافتاً إلى أن هذه الظاهرة تبرز بشكل أكبر في النخيل المخدوم أكثر وخاصةً النخيل المروي بكثرة لأن ذلك يلطف درجة حرارة الجذور وكذلك يزيد من تصنيع وتراكم الكربوهيدرات بالنخلة الذي بدوره يزيد من نسبة الكربون إلى النتروجين (C:N Ratio) بتلك البراعم مما يدفعها بمعدل أسرع للتزهير في ظل وجود لازم لهرمونات السيتوكينينات بنسبة أعلى من هرمون الجبرالين بتلك البراعم, مشدداً على أهمية توضيح دور عمليات الخدمة للنخيل في ظاهرة الطلوع المتأخرة هي أن عمليات الخدمة لوحدها فقط لا تسبب ظاهرة التزهير وإنما هي عوامل ثانوية مساعدة نظراً لأنها تزيد من عملية تصنيع الكربوهيدرات من خلال عملية التمثيل الضوئي التي بدورها تزيد من سرعة وحجم نمو الأغاريظ الزهرية كونها من متطلبات النمو لتلك البراعم الزهرية لكن السبب الأساسي للتزهير هو زيادة نسبة هرمونات السيتوكينينات على الجبرالينات في تلك البراعم.