طرحت وزارة الاقتصاد والتخطيط رؤيتها حول الخطة الإستراتيجية للتحول نحو الاقتصاد المعرفي، ومن المهم أن يكون الاقتصاد المعرفي على سلم الأولويات بالسنوات القادمة لما له من مزايا كبيرة أهمها الإبداع البشري، وكذلك الترشيد والكفاءة الاقتصادية وتحقيق قفزات بالدخل على المستوى العام والخاص بنسب كبيرة تسهم بتنويع مصادر الدخل للاقتصاد الوطني.
لكن قد لا يكون وضع الخطة لوحدها كافياً لرسم الطريق وكذلك للتنفيذ المتقن، فالخطة تتطلب تفاعلاً كبيراً من كافة الجهات ومن المجتمع ويجب أن تتوفر المزايا التحفيزية لاتجاه الشباب للمعرفة كي نؤسس جيلاً طموحاً بهذا المجال والبداية لا بد أن تكون من المؤسسات التعليمية ومن المراحل الأولى، فالنظر بآليات التعليم ومقوماتها من الآن هو ما سيسهم بالوصول التلقائي لكادر بشري يعمل بمجالات المعرفة فلا يمكن أن تزرع ثقافة إلا بسن مبكرة للفرد وهذا يتطلب تحولاً تدريجياً من قِبل وزارة التربية والتعليم بأساليب التعليم وطرق عرض المناهج ونوعيتها من الصف الأول بأدوات وتقنيات حديثة خصوصاً أن هذا الجيل ولد وتربى منذ صغره بين الأجهزة الإلكترونية ولم يعد يستنكرها، بل أصبحت جزءاً من حياته، فمن المهم استغلال هذه الخاصية عند هذا الجيل لينتقل بتعليمه للعصر الحديث، وهذا بدوره سيوفر الكثير من الجهد والوقت والمال على الدولة للوصول إلى طاقات بشرية تكون هي العماد الأساس للاقتصاد المعرفي.
فقضية التحول نحو اقتصاد معين تتطلب بالأساس النظر إلى الأرضية التي يجب أن تتشكَّل عليها قاعدة هذا التوجه وأن لا تكون متعارضة مع خطط وإستراتيجيات أخرى أو يمكن أن تؤثر على تطبيقها، فاليوم لدينا خطط عديدة بالسياحة والصناعة والإسكان وكلها تتطلب كوادر بشرية متدربة والمعضلة الحالية أن أغلب التعليم المتاح هو أكاديمي مما يتطلب تحول الجامعات وغيرها من الجهات التعليمية العليا نحو تخصصات مهنية توفر الإمكانيات والطاقات البشرية التي تحتاجها هذه الخطط بحسب الوزن المطلوب لها بالاقتصاد وإلا سنبقى معتمدين على استقدام العمالة من الخارج.
كما أن التوجه نحو استقطاب شركات التكنولوجيا للمملكة وكذلك شراء حصص بشركات عالمية وتوجيه مجموعات من الشباب للعمل فيها وتحويل فروع التكنولوجيا بالجامعات السعودية الى ورش عمل حقيقية تتيح للطالب الإمكانيات الكفيلة بتطويره يُعد من الركائز الأساسية لنجاح هذه الإستراتيجية ويفترض أن يبدأ العمل على ذلك من الآن وليس الانتظار لإقرار الخطة، فتوطين التقنية بمختلف الوسائل الممكنة أحد أهم السبل لتطوير الاقتصاد المعرفي.
إن طرح الإستراتيجيات التي تتوافق مع تطورات العصر أمر حيوي ومطلوب أن يخدم بكل الإمكانيات المتاحة وهناك دول لم تتوفر لها الأموال والقدرات التي تتوفر بالمملكة واستطاعت أن تصل باقتصادها إلى تنافسية عالمية بالمعرفة مما يعني أن التوجهات يجب أن تحكمها رؤية مشتركة وانضباط إداري كبير بالوصول للأهداف المرجوة والتقييم المستمر للعمل المنجز والثغرات أو القصور الذي يواجهه للتغلب عليه فما عدا ذلك ستصبح الخطة مترهلة ومثقلة بالأنظمة التي تمنع تقدمها وستكون عبئاً إضافياً على الاقتصاد والمجتمع.