مثلما أن في كل حياة أسراراً حية أخرى لو أخضعت لفحص مجهري.. كذلك كل موقف مؤثر أو عادي.. فهو يخفي خلفه أسراراً وحكايات شتى.. ويمكن للقناع أن يخفي أسبابه الحقيقية والتي في أغلبها لا تتجاوز الحماية.. أو الكبرياء.. أو الحب.. أو الكراهية.. أو الخوف.
يبدو أن الإنسان يتعلم خلال حياته كيف يخفي مشاعره العميقة دون أن يدرك ذلك.. مثل تأثير أول لسعة ساخنة يتعرض لها طفل لم يدرك العالم بعد.. فكل حرارة تعد تهديداً لتكرار الألم الأول..وقد تكون ردة فعله هستيرية.. أو مشبعة بالخوف المبالغ فيه.. وهكذا دواليك تُبنى القناعات إما للذة الأولى أو الألم القديم.. ومنها نستغرب من ردة فعل الآخر.. ونظنها معقدة.. وقد نفهمها كما بدت لنا.. في حين هي أبسط مما نتصور.
فالغلظة قد تكون دفاعاً عن لين يسكن الحنايا.. والغضب قد يكون صوتا مزمجرا عن صمت الحاجة والرغبة وكبتها.. والقسوة قد تكون حبا اختار أن يتحدث بغير لغته.. والغياب قد يكون حجة تماري حقيقة أنهم استهلكوا أو ينتظرون طارقاً يطرق باهتمام.. والبرود قد يكون سلوكا بني على توقعات قديمة أو خاطئة.. وغيرها الكثير الكثير.
ذلك ليس لأن الإنسان مخلوق مخادع.. إنما هي دورة طبيعية هدفها جيد.. لكن وسيلتها مؤلمة.. تحدث تلقائياً نتيجة تراكمات لم تخضع لغربلة.
لذا.. نحن بحاجة لسؤال كبير.. وبسيط في ذات الوقت.. حول الانفعال الذي نستسلم له إذا فهمنا أن الموقف استفزاز لنا.. أو تعد علينا.. أو إعلان خاطئ للنهاية.. هل فعلاً نحن نستجيب للشعور الحقيقي أم للقناع الذي لبسه الآخر رغماً عنه؟.
هل نتخذ موقفاً دفاعياً؟.. أم نحاول أن نفهم الحقيقة ونفهمها للشريك!.. هل نستجيب لحفلة الجنون التي تُكسر فيها القلوب دون أن تدرك أن الحب لم يفارقها؟.. هل نشارك في تأبين مشاعر لا تزال تنبض لكننا لم نتأكد منها.. وتوقعنا موتها!
نحتاج أن نهدأ.. ونمنحهم فرصة التعبير بأي شكل يختاره الألم في داخلهم.. ولا نحاول أن نتصيد من فلتات اللسان الغاضب ما يمزق العلاقة.. إنما المراقبة الهادئة كفيلة بفهم الوجع المتخفي خلف منظر الهيجان الغبي.. فالحب له لغات منطقية وغير منطقية.. وأظن الرجل خير من يتحدث عن الحب بلغته الغائمة.. فهو لحظة يحب أن يتخبط بين رغباته الأساسية (السلطة والقوة) ويخرج معها بمواقف عجيبة.. قد تظن معها أنه قاسٍ.. أو مدمر.. أو جارح.. أو غاضب.. بالطبع هو ليس مجنونا.. لكنه مخلوق لطيف وغريب الأطوار.. أما المرأة فقد نعرج عليها في مقال قادم.
خارج النص: كل عام وأنتم بخير.
amal.f33@hotmail.com