ذكر الأستاذ أحمد عيد رئيس اتحاد كرة القدم قبيل ترشحه ومن خلال ملفه الانتخابي أنه عاقد للعزم على منافسة دول القارة على الحدث الكروي الأبرز فيها، ألا وهو بطولة أمم آسيا. ولا أدري لماذا تبادر لذهني عند قراءتي لهذا الخبر أن هناك خطأ مطبعياً أو سوء فهم من الصحفيين الذين قاموا بنقل هذا التصريح. وقتها التفت لزميلي وقلت له: (هل تصدق أن الرياض ستقوم في القريب العاجل باستضافة بطولة العالم للكرة الشاطئية؟ إذا صدقت هذا الخبر فصدق أن المملكة ستستضيف بطولة أمم آسيا). ومرت الأيام وتم فتح باب الترشيح وقامت كل الدول الآسيوية الراغبة بالاستضافة بتقديم ملفاتها وضماناتها الحكومية وانتهت المهلة والاتحاد السعودي لم يقم بذلك. فتم تحديد مهلة أخرى لاستكمال الملف السعودي وانتهت المهلة قبل أيام قليلة ولم يقم اتحادنا العزيز بتقديم الضمانات المطلوبة للاستضافة. وفي خطوة قد تثير حفيظة الدول المنافسة لنا تم تحديد مهلة ثالثة للملكة العربية السعودية لتقديم الملف تنتهي بنهاية شهر أغسطس الحالي. وهنا علينا أن نتساءل، هل هذه الاستثناءات المتكررة هي دليل واضح على رغبة الاتحاد الآسيوي في إقامة هذا المحفل الآسيوي الكبير على ملاعبنا؟ أم أنها تعرية لاتحادنا المكرم وسد لأي باب تشكيك أو سيناريوهات مؤامرة قد ينسجها خيالنا الواسع إذا ما تم اختيار أحد منافسينا؟ حقيقة لا أعلم، واستغربت أن عدوى الاستثناءات قد جاوزت حدودنا المحلية إلى أطراف الحدود القارية.

وبعيداً عن كل ما جرى، يبرز السؤال المهم، هل المملكة العربية السعودية قادرة على استضافة مثل هذه التظاهرة القارية بكل خصوصية مجتمعنا وحدوده الدينية وتقاليده وعاداته؟

مثل هذه التظاهرة يا سادة، تعتبر حدثاً سياحياً ترفيهياً على أكبر طراز وتتعاون من خلاله كافة قطاعات الدولة لاستضافة عدد هائل من البشر خلال فترة زمنية محددة مع توفير كل سبل الراحة والترفيه لهم. وإن كنا ولله الحمد نتفاخر بأننا من يستضيف الملايين من البشر خلال مناسك الحج وشهر رمضان الكريم بكل جدارة واقتدار، فإننا لا نستطيع الاعتماد على تلك الخبرة في تنظيم تظاهرة تخالف ما سبق شكلاً ومضموناً ومقصداً من هؤلاء القادمين من كل أركان القارة الصفراء. فمثل هذه التظاهرات وإن كان هدفها الأساسي هو كرة القدم ومبارياتها، إلا إن ما يرافقها من فعاليات جانبية لا تقل أهمية إطلاقاً عن المباريات بحد ذاتها. ومعضلة العنصر النسائي في الجمهور الذي يجب التعامل معه ستخلق شرخاً كبيراً في مجتمعنا بين رافضٍ وموافق. فهل سنستعين بتلك الحواجز التي تغص بها مطاعمنا لوضعها حول كل عائلة آسيوية لنمنع الاختلاط؟ أم أننا سنفصل المدرجات بالتساوي بين الرجال والنساء؟ أم سنلزم كل المشجعات الآسيويات بلبس (العباية) وإخفاء قمصان منتخباتهم التي قطعوا آلاف الكيلومترات للتغني بشعاراتها ومؤازرتها؟ وكيف لنا أن نضمن عدم استغلال (بعض مواطني الدول الآسيوية) لهذه التظاهرة الكبيرة لزيادة عدد مخالفي نظام الإقامة لدينا التي بدأنا للتو في تصحيحها؟

كل ما سبق سيؤثر تأثيراً مباشراً على الجوهر الأهم في البطولة الذي يتمثل بالحضور الجماهيري والذي يعتبر دوماً المقياس الأهم في نجاح أي بطولة. فبينما نحن نشهد عزوفاً جماهيرياً عن المدرجات رغم كل هذا التنافس الهائل بين أنديتنا، سنستضيف لقاءات نكاد أن نجزم أن عدد الحضور فيها لن يتجاوز المائة مشجع، فكم تتوقع عزيزي القارئ أن يكون عدد حضور لقاء قطر وتايلاند؟ أو كوريا الشمالية وإيران؟ أو حتى في مباراة القمة الآسيوية بين أستراليا واليابان على سبيل المثال. فالمشجع السعودي كسول بطبعه، وإن تكرم علينا بالحضور فلن يحضر سوى لقاءات منتخبنا فقط، وسنرى هجرة جماعية للمدرجات في بقية لقاءات البطولة. وباقي المنتخبات سيغيب مشجعيها بشكل مرعب إذا ما تم منع اصطحاب زوجاتهم أو بناتهم أو حتى صديقاتهم. تلك هي الحقيقة الحاصلة فيما حولنا. والمكابرة في مثل هذه القضايا هي امتهان لكرامة هذا البلد الجميل، الذي لن يضيره لو لم يستضف هذه النوعية من البطولات احتراماً لتقاليده وعاداته وقبل ذلك حفظاً لحدوده الدينية التي ميزته عن كل أقطار الدنيا. فرفقاً بعقولنا، وتقديراً لجمال هذه البطولة الكبيرة جداً، إبقوا ملفنا في أدراجنا واكفونا عناء التبريرات المخجلة.

بقايا...

- بطولة الأمم الآسيوية حققناها ثلاث مرات، وحققنا وصافتها ثلاث مرات أيضاً وكلها كانت خارج حدود الوطن. فنتمنى أن لا يكون السبب الحقيقي من وراء الاستضافة هو تحقيق اللقب فقط.

- لو افترضنا أن ما بين لقاءات أحد المنتخبات الآسيوية ثلاثة أيام، هل سيقضي مشجعيه هذه الفترة في المجمعات التجارية فقط؟

- ليس من الحكمة بمكان، أن نطلق شعارات ووعود لا يمكن الإيفاء بها، فأوجه القصور في رياضتنا كثيرة جداً، وإصلاح الجزء اليسير منها هو إنجاز بحد ذاته.

- هل سنسمع قريباً عن تقديم ملف سعودي لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية؟ لا تتعجبوا، فالكلام ببلاش ولا يحاسب عليه قائله.

خاتمة...

يا زمان العجايب وش بقى ماظهـر

كلِّ ماقلت هانت جد علمٍ جديـد

(الأمير خالد الفيصل)