في هذا الراهن الحياتي، وهذه الاحتياجات الإنسانة الملحّة، تنشأ أسئلة مهمة وواضحة حول مفهوم الحاجة والعوز والبحث عن الرزق، تتمثل في التالي: هل ثم علاقة بين الفقر والتسوُّل؟ وهل بالضرورة أن يمتهن كل فقير التسول؟ وهل تكدس الفقراء أو مدعي الحاجة أو تنامي مظاهر الفقر هي من صنع الحياة المدنية الجديدة وإفرازاتها؟!.. بل إنّ هناك أسئلة أخرى تدور في هذا المضمون، وحول هذا المحور الذي لا بد أن يناقش بوضوح وتأمل، وأن يجد الجميع لهذه الأسئلة إجابات مقنعة ومفيدة.
وبما أننا في أواخر شهر الخير رمضان المبارك وبعده نقترب من شهور الحج القادمة، فإنّ من المناسب أن نعمل معاً على التخفيف من سلبيات ظاهرة التسول والعمل على علاج أسبابها، فلا يمكن لنا أن نحدد من المحتاج للصدقة والمساعدة ومن هو عكس ذلك على نحو ممتهن التسوُّل لغرض الكسب المادي فقط، كما تطالعنا فيها الكثير من التقارير والتحقيقات وتصريحات العاملين في مكافحة التسوُّل التي تشير جميعها إلى أنّ فصول هذه المشكلة الإنسانية والحضارية لا تزال قائمة، حتى إنها باتت تستعصي على الكثير من الجهات المختصة التي تكافح مثل هذه الظواهر المؤذية.
لقد تحوّلت حالات التظاهر بالحاجة مع الوقت للأسف إلى مجرّد سبل للنصب والاحتيال والادعاء، حتى تحوّلت إلى تجارة مربحة عند الكثير من ضعاف النفوس، الذين يجدون في شهر رمضان وأيام الحج فرصة مناسبة لجمع المال، والتقاطر على أبواب البيوت وفي الأحياء والمساجد وقرب الإشارات المرورية في أي شارع، حتى باتت ظاهرة التسوُّل تنظيماً معقداً يصعب التخلص منه أو محاربته.
فحينما نتأمّل هذه الأسئلة والتكهنات، ونبحث لها عن إجابات ما، فإنه لا بد لنا أن نُقيِّم في البداية العلاقة الممكنة بين الفقر والتسوُّل، أو أن نحدد مفهوم الحاجة لدى هؤلاء ومتطلّبات تقديم الواجب من صدقة أو زكاة أو هبة من حر المال، ومن أواسط ما نأكله، لندفع لهؤلاء ما تجود به النفس، لكن الأقربون أولى في هذا الأمر، وهو ما يستدعي البحث عن محتاج حقيقي يستفيد من هذه الصدقات التي لا يزال المجتمع يؤديها بشكل رائع امتثالاً للواجب، وتحقيقاً لمعادلة العطاء والإنسان.
إلاّ أنّ ما يلاحظ في أمر هذه العلاقة بين المحسن والمحتاج هو تتبع الأخير للمال ولا غيره، فالكثير من هؤلاء الذين يَجِدُّون في طلب الصدقات يبين شَبَعهُم، ولا يرغبون بأي طعام، لأنهم يأكلون مثل ما تأكل، بل ويطلبون الوجبات السريعة والدسمة من أرقى المطاعم، ولكنهم في نهم للمال، وشره مخيف يقارب الهوس، حتى أنك ترى العراك المحموم للأسف حول أي باب صدقة، أما إن طلبوا المال فلك أن تدهش من صنوف وصور النصب والاحتيال التي يمارسها هؤلاء باسم الحاجة والبحث عن اللقمة.
وما يلاحظ أيضاً أن من يقدم الصدقة لا يسمع أي دعاء من هؤلاء المتظاهرين بالحاجة حينما يلتقط الصدقة من يديه.. أقصد العشرة أو الخمسة ريالات، لأنّ وجهه غارب في تقمُّص شخصية المحتاج، وعيناه لا توحيان أبداً إلاّ بمزيد من الشره والبحث عن المال..
فلا مظاهر خير تبدو في كل هذه التمثيلية التي تحدث في أماكن مختلفة، من قِبل هؤلاء المتسولين.. فالهدف كما أسلفنا هو جمع المال فحسب، أما الطعام فهم لا يسألون عنه أبداً، حتى أن هناك تواطؤاً ما بين المانح والممنوح أن يترك فكرة الطعام وتقديمه على ما هو أهم، أي تقديم المال والريالات وحسب، فالأمر إذاً لا يعدو كونه تظاهراً بالحاجة وادعاء للفاقة، وبحثاً عن المال بأي وسيلة.
hrbda2000@hotmail.com