|
الحمدُ لله حمدًا كثيرا، وسبحان الله بُكْرَةً وأصيلا، ولا إله إلا اللهَ عدد ما مشى بين السموات والأرضينَ ودَرَج، والحمدُ لله الذي بِيَدِهِ مفاتيحُ الفَرَج، يا فرجنا إذا أُغلقتِ الأبواب، ويا رجاءنا إذا انقطعتِ الأسباب، الحمدُ لله على نِعَمِهِ العظيمة، وآلائِهِ الجسيمة، الحمدُ لله الذي مَنَّ علينا بإدراك شهرِ رمضان، ونسألُهُ القَبُولَ والإتمام، الحمدُ لله على نِعْمَةِ الصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآن، الحمدُ لله كثيرًا كما يُنعمُ كثيرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أَتَمَّ على عبادِهِ النِّعمة، وكَتَبَ على نفسِهِ الرَّحمةِ، وجادَ على عبادِهِ بالإنعامِ والأفضال.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بأكملِ شريعةٍ وأشرفِ خصال، نبيٌّ جعلهُ الله عبدًا شكورا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهِ بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرا.
إخواني: اعلموا أَنَّ هذهِ الشهورِ والأعوامِ والليالي والأيام، كلُّها مقاديرُ الآجالِ ومواقيتُ الأعمال، ثم تنقضي سريعًا وتمضي جميعا، والذي أوجَدَها وخَصَّها بالفضائلِ باقٍ لا يزول، ودائمٌ لا يَحُول، هو في جميعِ الأوقاتِ إلهٌ واحد، ولأعمالِ عبادهِ رقيبٌ مُشاهِد، فسبحانَ مُجيبِ الدَّعَوات، سبحانَ مغيثِ اللَّهَفَات، سبحانَ مُقِيلِ العثرات، سبحانَ مَنْ لا تختلفُ عليه اللغات، ولا تشتبهُ عليه الأصوات، كلُّ مُلْكٍ زائلٌ إلا مُلْكهُ، وكلُّ فَضْلٍ منقطعٍ إلا فَضْلهُ، هو أرحمُ بعبادِهِ مِنَ الوالدةِ بوَلَدِها، لا إله إلا هو الرحمنُ الرحيم.
عباد الله: إنَّ شهرَ رمضانَ قد قَرُبَ رحيله، وأَزِفَ تحويله، ولم يَبْقَ إلا قليله، فاستدركوا - رحمكم الله - بقيةَ هذهِ الأيام، وقوموا بما يجبُ لهُ عليكم من واجبِ الإكرام، فإنَّ شهركم قد عَزَمَ على الرَّحيلِ بعد المُقام، ما أَعْظَمَ ساعاتِهِ، وما أحلى جميعَ طاعاتِهِ! كانت لياليه ليالي عتقٍ ومباهاة، وأسحاره أوقاتُ خدمةٍ ومناجاة، ونهاره زمانُ قُرْبةٍ ومصافاة.
كان فخرًا للواصفين، وروضة للمتقين، وفرحة للعاملين، فكونوا له مودعين وللعبرات على ليالي البهجة والسرور مسبلين، واجتهدوا - رحمكم الله - في إتمام العمل وإكماله وإتقانه؛ لعل المولى أن يكتبكم من عتقائه. جعلني الله وإياكم ووالدينا وجميع المسلمين والمسلمات من عتقائه من النار.
إخواني: لقد شرع الله لكم في ختام شهركم عباداتٍ تزيدكم من الله قربًا، وتزيدُ في إيمانكم قوة، وفي سجل أعمالكم حسنات، فشرع الله لكم زكاة الفطر طُهْرَةً للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين، وشرع لكم التكبير عند إكمال العدَّةَ من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة. وصفته أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ويسن جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت إعلانًا بتعظيم الله تعالى وإظهارًا لعبادته وشكره، وتُكَبِّر النساء سرًّا.
وشرع الله لكم صلاة العيد وهي من تمام ذكر الله عز وجل، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أمته رجالًا ونساءً، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد، مع أن البيوت خيرٌ لهن فيما عدا هذا الصلاة.
قالت أم عطية رضي الله عنها: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخْرِجَهُنَّ في الفطر والأضحى، العواتقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخُدُور، فأما الحُيَّضُ فيعتزِلن المُصَلَّى ويشهدن الخيرَ ودعوة المسلمين.
ومن السُّنَّةِ أن يأكلَ قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر تمراتٍ وِتْرًا ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك يقطعها على وِتْر، لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يَغْدُو يوم الفطر حتى يأكلَ تمراتٍ ويأكُلُهُنَّ وِتْرًا» [رواه أحمد والبخاري].
ومن السُّنَّةِ أن يخرج إلى العيد ماشيًا لا راكبًا إلا من عُذْرٍ كعَجْزٍ أو بُعْدٍ. ويُسن للرجل أن يتجمَّل ويلبس أحسنَ ثيابه، وأما المرأة فتخرج إلى العيد غيرَ متجملةٍ ولا متطيبة.
إخواني: إنه وإن انقضى شهر رمضان، فإن عمل المؤمن لا ينقضي قبل الموت قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (99) سورة الحجر. فالصيام - ولله الحمد - لا يزال مشروعًا في جميع العام، ولئن انقضى قيام رمضان فإن القيام لا يزال مشروعًا ولله الحمد في كل ليلة من ليالي السَّنة، قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26].
إخواني: اجعلوا هممكم دائمًا فيما يُرضي الله تبارك وتعالى؛ فإن العبدَ إذا أصبح وأمسى وليس همه إلا الله وحده، وفرَّغَ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، تَحَمَّل الله عنه حوائجه، وكفاه كل ما أهمه.
اللهم أعد علينا شهر رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن ننعم بأتم صحة وعافية في الأبدان، وأمنٍ في الأوطان.
اللهم أعد علينا مواسم الخيرات، وتقبل ما عملناه من الطاعات، وارفع لنا بها الدرجات، واختم أعمالنا وأعمارنا بالصالحات، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة وبعد الممات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم اجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم، واجعلنا ممن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا ممن أدرك ليلة القدر وقامها إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا من عتقائك من النار يا رب العالمين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.