أتمنى صادقاً أن أفهم ماذا يحدث في مصر، منذ الثلاثين من يونيو، وربما قبل ذلك بأيام، وحتى خطاب الفريق السيسي الأخير، فما كنا نتسمّر أمامهما متابعين أحداث الربيع العربي، أصبحتا (تردحان على المكشوف)، فلا يخفى على المتابع الهوى الإخواني المسيطر على قناة الجزيرة، بل إنها تقوم هذه الأيام بحملة إخوانية لم يستطع الحزب أن يفعلها على مدى ثمانين عاماً، بينما شقيقتها قناة العربية، حتى وإن حاولت أن تكون محايدة نوعاً ما، فقد أعماها التعصب الإخواني لدى جارتها قناة الجزيرة، فبدأت تمارس رد فعل مضاد، فمن يريد ميدان مسجد رابعة العدوية والنهضة مباشرة يفتح على قناة الجزيرة، ومن يبحث عن ميدان التحرير والاتحادية مباشرة يفتح على قناة العربية.. قد تكون قنوات أجنبية مثل (بي بي سي) وغيرها أكثر حياداً، لكن هذا الفشل الذريع في هاتين القناتين كان مدوياً.
وأكثر ما يثير الغرابة، هو الاتهام والكذب الذي تمارسه معظم الأطراف والأطياف في مصر، ففي وقت ادعاء من يرابط في رابعة أنهم يتعرضون للقتل والسحل، كان العسكر يدعون أن هؤلاء هاجموا مقر الحرس الجمهوري، وفي الوقت الذي يكذب فيه المرشد حينما سمحوا له بمخاطبة المعتصمين في رابعة كي يقوم بالتهدئة، خدع الجميع وحرّض على العنف والدم، جاء خطاب السيسي وهو يدعو المصريين للخروج يوم الجمعة الماضية، من أجل تفويض الجيش بالتعامل مع الإرهابيين، وفي كل الحالات تتعرض مصر إلى الاختطاف، فإن كان ما حدث تلبية لمطالب المصريين برفع الثقة عن رئيسهم المعزول، أو انقلاباً كما يسميه المرسيون، فكان الأولى العودة إلى طاولة المصالحة الوطنية، وإذا كان الإخوان يدّعون أن الملايين من مؤيديهم يخرجون مطالبين بعودة رئيسهم المعزول، لماذا لم يكفوا عن العبث بالبلاد، ويقدموا مرشحهم من حزب الحرية والعدالة، كي يكتسح الصناديق كما يروجون، بل إن محاولاتهم الفاشلة في جر البلاد إلى حرب أهلية، هو ما يؤكد وجهة النظر التي تقول أن مرسي فاز بالرئاسة في ظروف استثنائية، خدمته كثيراً، حينما كان منافسه الوحيد ممن يحسب على الفلول!
ولا أظن عاقلاً يؤيد ما جاء في تغريدة الممثل المصري خالد الصاوي التي قال فيها بتصرف: اثنان لا تضيع وقتك ولا أعصابك في محاورتهما، الإخواني ومن شابهه لأن غرضه استنزافك، والمتفلسف المثالي لأنه خارج التاريخ. وكأنه يعني أنه يجب إيقاف الحوار، والعودة إلى لغة القوة، ومبدأ العنف، وذلك سيجر مصر إلى مستنقع لا يليق بها، ولا بوعيها، وثقافتها، وحضارتها، فكيف تعود مصر إلى الحوار، والمصالحة الوطنية، ومراجعة الدستور، والانتقال من الحكومة المؤقتة إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى، هذه الأسئلة لا بد أن يجيب عليها حكماء المصريين ومفكروهم ومثقفوهم الذين يجب أن تعود أدوارهم التاريخية، بدلا من أن يسيروا، وعلى خجل، بمظاهرة من مبنى وزارة الثقافة إلى ميدان التحرير، أظن أن الشعب، والشباب منه، قد سبقوهم إلى ذلك، وعليهم أن يقوموا بأدوار أكثر قيمة في هذا المنعطف الخطير في مصر.