يلام الموظف الحكومي عامة على سلبيته، بسبب عدم قدرته على الإفصاح عن رأيه في مجال عمله بصفة خاصة، وفي الأمور العامة وهو على رأس العمل، لأنّ جلّ الموظفين عندما يتركون أعمالهم الحكومية يكونون أكثر حرية وجرأة في تناول مجريات العمل الذي يشغلونه وكذا القضايا العامة، وذلك بإبداء الرأي فيها بصورة تختلف عما كانوا عليه عندما كانوا على رأس العمل.
يبدو أنّ هذه سمة عامة في كل الثقافات وفي كل البلدان، وعلى اختلاف مستوى المسؤوليات، لأنّ أخلاق العمل تتطلّب مثل هذا الموقف الملتزم الذي يفترض فيه مراعاة قيم العمل وأسراره، وبالتالي لابد من تفهُّم هذا، ولابد من عدم الخلط بين الموقفين حيث لا تعارض بينهما ولا تناقض، فلكل منهما ظروفه وله محدداته التي يجب تفهُّمها وتقديرها.
من الشواهد الواضحة التي قد تصيب المطلع عليها بحالة من الذهول تجعله في حيرة من أمره، ذاك التصريح الذي ألقاه رئيس وكالة المخابرات الأمريكية CIA السابق “ جيمس وولسي “، ألقاه بمنتهى البجاحة وبلغة غير مؤدبة، واللافت أنّ الحضور قابل هذا التصريح بعاصفة من التصفيق الذي يدل على ابتهاجهم بدلالات مضمونه وتأييدهم له، على الرغم من بجاحته ومنافاته لأبسط القيم الأخلاقية التي تحكم العلاقة بين الدول عامة، فضلاً عما تُعَد دولاً صديقة.
ورد في كلمة أو تصريح جيمس وولسي كلمات وعبارات غير لائقة، لذا سوف أستعرض مضمون الكلمة بتصرُّف احتراماً للمشاعر، وذلك بإيراد المعنى دون إخلال بالمضمون يقول: (.... المشكلة ليست مع الإسلام، المشكلة مع الطغيان ...) وأشار في الكلمة إلى أنه لابد من إقناع المسلمين في العالم الذين يعدّهم مستعبدين حسب ما يزعم أنه ظاهر في كثير من الدول، ويقول: إذا وقفنا إلى جانبهم سوف ننجح في النهاية كما فعلنا ونجحنا في الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي)، ويقول: (سوف نجعلهم - يقصد الحكام العرب - متوترين، سوف نجعل نظام مبارك متوتراً وإذا نجحنا في تحرير العراق وبدأنا التفرُّغ إلى سوريا وليبيا والدول الأخرى ونضغط عليهم من أجل التغيير، عندئذ سيقول الحكام العرب نحن متوترون جداً جداً وجوابنا يجب أن يكون هذا، نحن نريدكم أن تكونوا متوترين، نحن نريدكم أن تعرفوا أنه الآن وللمرة الرابعة خلال المائة سنة الماضية أننا وحلفاؤنا قادمون للزحف وسوف ننتصر لأننا إلى جانب هؤلاء الذين تخافون منهم)، يقصد أنّ الحكام يخافون من الشعوب.
وعلى الرغم من بذاءة جيمس وولسي، إلاّ أنه يكشف عن حقيقة مرة يجب ألاّ تغيب عن الأذهان والوجدان، لا سيما والواقع الحالي في كثير من الدول يشهد بصحة ما ذهبوا إليه وخططوا له، أسقطوا العراق من المعادلة العربية، وجعلوه تحت تصرف إيران حليفهم الخفي، وها هم ينفذون ما وعدوا به في سوريا، إنهم يمزقون سوريا ولن يتدخلوا حتى يحطموها عسكرياً ومادياً وبشرياً، والآن يشعلون أوار الفتنة في مصر، بإقحام الجيش في مواجهة مع الشعب المصري، وهي مواجهة إن لم يتنبّه لها العقلاء سوف تجعل الجيش المصري يغرق في إتون فتنة لن يخرج منها إلاّ منهكاً فاقداً قيمته ومصداقيته أمام الشعب المصري الذي لطالما عدّ الجيش سنده وعونه وعضده في الشدائد وحامي حمى مصر.
إنهم يمكرون بخبث، ويعملون بجد وإصرار من أجل تمزيق البلاد العربية وإنهاكها في فتن متلاحقة، ومع ذلك، ما زال في الوقت متسع كي يستيقظ العقل العربي من سباته ومن ثقته العمياء في الغرب عامة وفي أمريكا تحديداً.
المطلوب ببساطة يقظة لما هو آتٍ، والتفاتة جادة إلى احتياجات الشعوب والسعي المستعجل إلى تلبيتها، وهي احتياجات مشروعة بالإمكان تحقيقها، يتعلّق جلّها بالصحة والتعليم والسكن، عندئذ تنتزع من أيدي هؤلاء الماكرين ما يعدّونه الشرارة التي يوقدون بها نار الفتنة التي ينتظرون إشعالها في المنطقة العربية.
abalmoaili@gmail