استبشرنا خيرا بافتتاح جامعات إضافية في جميع مناطق المملكة، حتى قاربت ثلاثين جامعة حكومية عدا الجامعات الأهلية، ولا شك أن انتشار التعليم والحرص عليه يدعم خطط التنمية عندما تتماهى المخرجات التعليمية مع سوق العمل؛ بينما في الواقع شكَّل خريجو الجامعات عبئا تنمويا على الوطن، حيث كان الاهتمام منصبا نحو الكمّ على حساب الكيف. فالجامعات تخرِّج سنويا أعدادا هائلة من طلبة الكليات النظرية ممن لا يستوعبهم سوق العمل الذي يتطلب التخصصات العلمية والفنية والمهنية.
ولا أعدو الحقيقة حين أقول: إن تلك المخرجات التعليمية قد زادت عدد العاطلين عن العمل، حيث يشترط خريجو الجامعات وظائفَ تليق بشهاداتهم، وهو حق مشروع لهم بحكم السنوات التي قضوها في التعليم، بالرغم من هزال الشهادات، وضحالة الثقافة العامة، ناهيك عن ضعف الجودة النوعية لذلك التعليم المسلوق !!
وكان جديرا بالجامعات تهيئة الطلبة لخوض غمار الحياة العملية وتأهيلهم للمهن المتاحة بالإضافة إلى التعليم الأكاديمي، فلا يمنع أن يتدرب الطالب على فنون السباكة والنجارة والتشييد والبناء ومبادئ الهندسة الميكانيكية، بل والزراعة، وعدم الاقتصار على التخصص العلمي وحسب!
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن طالبا متخرجا من إحدى كليات الهندسة لم يجد وظيفة ملائمة لطموحاته أو حتى إمكانياته، فاتجه للعمل بأحد المطاعم، حيث اكتشف ميله للطبخ وإعداد الوجبات، وفجأة وجد نفسه وقد تحول لطباخ ماهر! وحينما ظهر اسمه مع المقبولين في وظائف الخدمة المدنية اعتذر عن قبول الوظيفة وتابع ممارسته للمهنة الشريفة التي تتوافق مع ميوله واهتماماته حتى أوصلته تلك المهنة لامتلاك مجموعة من المطاعم المشهورة، ونسي تماما أنه قد درس فنون الهندسة والتخطيط!!
وكثير من الكتاب والصحفيين لم يدرسوا الإعلام كتخصص أو بهدف الوظيفة ولكنهم نجحوا وأثبتوا جدارتهم، وصاروا محترفين ومشهورين، وتركوا وظائفهم الأصلية بالرغم من حصول بعضهم على شهادات عليا في تخصصات نادرة.
وأزعم أن بعض الشهادات الأكاديمية ربما تكون وبالا على صاحبها حينما يصر على العمل بموجبها، وقد يتأخر بالانخراط في العمل بسبب تلك الشهادة، وإصراره على وظيفة حكومية أو أهلية بعينها، بينما يكون زميله قد تقدم بالشهادة الأقل وحصل على وظيفة بسيطة ولم يبق أسيرا لشهادته، ومن ثم يبدأ بتطوير ذاته، وربما يسخر ممن ينتظر الوظيفة بالشهادة الأصلية.
وهي رسالة لكل شخص ألا يقيد نفسه بوظيفة أو يقعد لها منتظراً، بل يسلك السبل المتاحة للعيش الكريم، فلا ينضم لجيوش العاطلين فيزيد أرقام البطالة في بلد يشكِّل الوافدون ثلث سكانه!!
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny