الأرقام لا تكذب أبداً، خاصة إذا كان مصدرها جهة رسمية. في السنوات الأخيرة ظهرت لنا أرقام وإحصائيات عن ظاهرة الطلاق في المملكة تفتقد للدقة فمنها ما هو مبالغ فيه ويفخم المشكلة بصورة أكبر بكثير من الصورة الواقعية، ومنها ما يهون من الواقع المؤلم ويسرد أرقاماً لا تتطابق مع الأرقام الحقيقية. لا يختلف اثنان على أن الطلاق أصبح يشكل ظاهرة مقلقة للمجتمع، بل إن كثيراً من الأزواج يلجأ إليه عند حدوث أي خلاف حتى ولو كان هذا الخلاف من النوع الذي يمكن حله بتدخل المصلحين بين الناس.
آخر الإحصاءات صدرت من وزارة العدل السعودية بداية الأسبوع الماضي ومن واقع سجلاتها. في هذه الإحصائية الخاصة بالعام المنصرم 1433هـ ورد أن صكوك الطلاق والخلع والفسخ قد بلغت 34490 صكاً بمعدل يقارب المائة صك يومياً، وأرجعت الوزارة أسباب الطلاق إلى أمور منها: غياب الدورات التأهيلية الإلزامية، واعتبرت هذه النسبة جيدة مقارنة بالدول الأخرى لكنها لم توضح أي شيء عن تلك المقارنات ولا النسب والأرقام التي تحدد حجم ظاهرة الطلاق في الدول الأخرى، وكنت أتمنى لو أن الوزارة سعت للحصول على ما لدى الدول الأخرى لمقارنتها بما لدينا لنعرف موقعنا بالضبط، ثم تفعيل أدوار مراكز الصلح لتخفيف حجم الظاهرة الذي يزيد ولا ينقص فمراكز الصلح لا زالت تؤدي مهام روتينية وتنشيطها مع إجبار المقبلين على الزواج على حضور دورة تنظم تحت إشراف الوزارة المباشر لمنع أي محاولات للتلاعب سيؤدي إلى خفض هذه الأرقام بصورة ملحوظة.
لا زلت أرى أن مائة حالة طلاق يومياً رقم كبير خصوصاً إذا كانت المطلقة أما لأطفال. سيؤدي تضاعف الأرقام إلى تكوينات أسرية تحتاج لإعالة ورعاية، وبخاصة إذا كانت المطلقة لا تعمل وليس لديها أي دخل ثابت ما يفضي في نهاية الأمر لبروز مشكلات اجتماعية لا حصر لها.
إذا بحثت عن أسباب الطلاق في أي محرك بحث ستجد أسباباً ودوافع لا حصر لها؛ بعضها مبني على دراسات علمية، وبعضها مبني على اجتهادات إذ يحدد كل شخص الأسباب وفق حالات محددة مرت به أو عايشها وقد تكون تلك الحالات قليلة جداً، ولا يمكن تعميمها، ستجد منها مثلاً لا حصراً تقلب المزاج أو حدة الطباع أو اختلاف المستوى الفكري بين الزوجين والتباين العمري واختلاف البيئات، أو المؤثرات الخارجية من أهل وأصدقاء، أو الجشع المادي والتمسك بمستويات معيشية لا ترضى الزوجة التنازل عنها وغيرها من أسباب قد تكون صحيحة لكنها نادرة.
هناك أسباب أقوى مثل قبول أي منهما بالزواج تحت ضغط الأهل وعدم التقبل وطغيان المجاملة في بداية الأمر حتى تقع الفأس في الرأس، والسقف العالي للحياة الزوجية والذي يصنعه أحد الزوجين ثم يفاجأ بعد الزواج بسقف منخفض لا يلبي الطموح حينها ينفرط عقد المشاكل.
الأسباب كثيرة لكن من وجهة نظري أرى أن يركز في الدورات التأهيلية للمقبلين على الزواج على المقومات التي لا بد أن تتوافر في كلا الزوجين، ومنها المقومات المشتركة مثل الرغبة في الزواج والأسلوب الأمثل في التعامل وفهم خبايا الحياة الزوجية، وأما مقومات الزوج فهي القدرة المالية والقدرة الإدارية، وأما بالنسبة للزوجة فقدرتها على إدارة المنزل وتربية الأبناء.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15