إن الحديث الشريف “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” من الأحاديث العظيمة التي يغفل عنها الغافلون عن مراقبة الله في السرّ والعلن! ورسولنا الكريم يوضح أننا جميعاً بدون استثناء مكلفون برعاية رعيتنا ومسؤولون عن ذلك ، وأن الله سبحانه وتعالى سيسألنا عن هذه الأمانة قمنا بها أم ضاعت وأهملناها في مطاردة إرضاء الذات الأنانية وشهواتها وغرورها ونسينا من هم أمانة بين أيدينا! ولنا في سيرة الصحابة أمثلة عن المسؤولين عن رعاية الآخرين، فقد كان عمر بن الخطاب يبكي فسئل عن سبب بكائه فقال “أخشى أن تعثر بغلة في العراق فيحاسبني ربي عليها لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر”! هذا نموذج عظيم لراعٍ عظيم يبكي خوفاً أن يكون مقصراً بحق بغلة وليس بحق البشر! وهو ثاني الخلفاء الراشدين ويلقب بالفاروق لتفريقه بين الحق والباطل، واشتهر بإنصافه للمظلومين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ، ومن كبار أصحاب الرسول الكريم وأحد أشهر القادة في التاريخ الإسلامي وأكثرهم تأثيراً ونفوذاً وأحد العشرة المبشرين بالجنة!
أين من حمّلهم الحاكم - حفظه الله - ثقته لمتابعة راحة الرعية خاصة في شوارعنا التي تتعثر فيها مئات البغال وليس بغلة واحدة بسبب تأخر إنجاز مشروعات التحسين والأرصفة وكثرة الحفريات والمطبات طوال العام، وشوارع الرياض نموذج حي لذلك من شمالها إلى جنوبها لا تشعر بالراحة في سيارتك حتى وأنت في أفخم شوارعها كما يعتقدون.. أيضاً من الرعاة المسؤولين الرجل في بيته ومع أهله وإحسانه لزوجته وأولاده ومعاملتهم المعاملة الحسنة دون تفرقة، يعطيهم وينفق عليهم مما أعطاه الله ، لكن من مشاهداتنا اليومية مع حالات العنف الأسري فإن هؤلاء الرجال مقصرون مع أهلهم وبناتهم مما تسبب في استغلالهم وإهانتهم وتشريدهم من بيوتهم واضطروا للجوء لبيوت الدولة لتحميهم من عنف رجالهم وإيذائهم لهم، ذلك الإيذاء الذي لا يصدر من قلب مسلم يخاف الله، لن يفلتوا من حساب رب العالمين.. أيضاً من الرعاة المرأة مسؤولة في بيت زوجها تشاركه الهموم والمسؤولية وتحافظ على أمواله وأولاده ، لكن للأسف الشديد هناك نساء شاركن في جرائم كثيرة بحق أنفسهن عندما سمحن لأزواجهن باستغلالهن عاطفياً وجسدياً خوفاً من الطلاق! وصمتن عن تعذيب أطفالهن من آباء منحرفين أخلاقياً أو مدمنين للمخدرات لسنوات ولم يتحركن لإنقاذهم إلا خوفاً من المساءلة القانونية! .. ثم نأتي لرابع الرعاة وهم الخدم الذين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الأسر وكثير منا لا يستغني عنهم، هؤلاء الخدم كثير منهم لا يفقه مسؤوليته أمام الله تجاه كفيله من حيث طاعته والحفاظ على بيته وماله وأن لا يخونه ويُتقن عمله، لكن من الأحداث المتزايدة في السنوات الأخيرة انتشرت جرائم الخدم انتشاراً لا يبشر بالخير ولا يدل على توعيتهم بما لهم وعليهم، وأرى أن مسؤولية ما يقومون به في ميزان مكاتب الاستقدام والمسؤول عنهم وذلك بسبب ثغرات كثيرة لا يدفع ثمنها إلا الرعية التي لم يخاف الله في تحقيق الراحة لها ، بل زادها قلقاً وقهراً ورعباً خاصة بعد ازدياد جرائم القتل ضد الأطفال من عمالة تم السماح لها بالدخول إلى بلادنا بدون التحقق من أهليتها العقلية للدور المكلفة به!
أيها الرعاة اتقوا الله في هذا الشهر الكريم وما بعده من شهور، فإن الرقابة الإلهية لن تغفل عنكم إذا نامت أعينكم عن رعاية الأمانة التي بين أيديكم! ولا أملك أخيراً إلا هذا الدعاء: “يا رب لا تجعلنا سبباً في تعثر حاجة أو راحة ممن هم أمانة في أعناقنا”.
moudyahrani@ تويتر