احتفظت بعدد قديم من إحدى المجلات لاحتوائه على موضوعين جيدين، وقد أعدت النظر في هذا العدد بعد عشر سنوات بالتمام والكمال، ولفت انتباهي موضوع آخر لا صلة له بالموضوعين اللذين احتفظت بالمجلة من أجلهما، وقرأت الموضوع وكأنني اقرأه لأول مرة، كان الحديث مع رئيس مؤسسة دعوية في الخارج، وتحدث عن الآمال والطموحات والخطط والبرامج التي ستنفذها هذه المؤسسة، ولولا أنني أقرأ الموضوع بعد عشر سنوات لهللت وكبّرت فرحاً بما قرأت. أما وقد مضى على نشر الموضوع هذه المدة، ولم أشاهد أو أسمع شيئاً قد نفذ من هذه الوعود فلا يسعني إلاّ أن أقول «لا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم « و « إنا لله وإنا إليه راجعون»، فقد عرفت هذه المؤسسة وعرفت رئيسها المتحدث، والتقيته في مؤتمرات وندوات وحصل على إعانات ودعم رسمي وأهلي من كل مكان والمؤسسة التي يديرها لم تتغير ملامحها، بل حلّت بها نكبات الدهر، وآثار الزمن، فأصبحت تعاني من التجاعيد والشيب كحال صاحبها الذي يديرها، ولم تقم برسالتها على أكمل وجه في المجتمع الذي تعيش فيه، على الرغم من أنها في بلد المؤسسات والعمل المؤسسي لانتمائها لإحدى البلدان الأوروبية. والمنتسبون لهذه المؤسسة هم ممن يملكون من الوعي والإدراك والخبرات ما يؤهلهم لإدارة مؤسسات دولية، كل في مجال تخصصه، وهذه المؤسسة لم تنجح في جمع شتات المسلمين، ولا تحسين صورة المسلمين في الغرب، والذي زاد هو رصيد المشرف العام على المؤسسة، وزادت رحلاته وتنقلاته في بلدان العالم الإسلامي!!
هذا الانطباع وهذه الصورة الماثلة أمامي هي مع الأسف لأنموذج من نماذج بعض القائمين على العمل الإسلامي في الخارج، فعلاوة على عدم التخصص في العلم الشرعي وما يصحب ذلك من اجتهادات وآراء، وخاصة على وسائل الإعلام الغربية، فهناك تخبطات واجتهادات إدارية تؤدي إلى تنحي المراكز والجمعيات الإسلامية عن مسارها، وربما اضطر القائمون عليها للتحاكم والتخاصم في محاكم البلدان التي يقيمون فيها، وتبادل التهم بما يسهم في تفرق الجالية المسلمة وانقسامها وظهورها بمظهر غير جيد في المجتمع الذي تعيش فيه.
إن النجاح الوحيد الذي يحسب للقائمين على بعض المؤسسات، هو نجاحهم في التواصل مع الدول والشعوب المانحة، فهذا فن يجيده البعض، أما النواحي الأخرى فهناك جهل أو تجاهل لها، وكثيراً ما عانت الجاليات المسلمة من انعدام الوعي الديني الصحيح، نتيجة لأنّ القائمين على المركز أو الجمعية، لا يريد شخصية علمية يجذب إليها الحضور، وما أن يرى داعية أو إماماً متميزاً، وبدأت الجالية تستفيد منه إلا وقلب له ظهر المجن وأبعده؛ ولذا فلا غرابة أن نرى في أبناء الجالية المسلمة الانحرافات الفكرية والخلقية، والتهاون في الدفاع عن حقوق المسلمين وضعف الرد وعدم التصدي للافتراءات المعادية للإسلام والمسلمين.
ولقد كان من أسباب قيام هذا وأمثاله من قام بدعمه بالإحساس والحماس غير المنضبط، وإذا كانت الرغبة الصادقة في خدمة الدين الإسلامي والمسلمين وحسن النوايا في البداية من القائم على هذا العمل، فإن حسن النية والحماس قد جعل من المانحين يتعاطفون، ويدعمون هذا العمل حتى أصبح تكية خاصة، وليس مؤسسة أو جمعية إسلامية؛ ولذا فإنّ الأمر يتطلب أن يتم الالتفات إلى المعونات الرسمية وغير الرسمية لاحقاً، وألا تقدم المعونات لأي مؤسسة فردية، وأن يقتصر الدعم للعمل المؤسسي، حتى لا نعيد ونكرر الأخطاء، فكم من المؤسسات الإسلامية والمراكز سجلت بأسماء أفراد وعوائلهم، ولا تزال وكأنها أملاك خاصة، ولذلك فهي تدار بأسلوب الأملاك الخاصة، وليس العمل المؤسسي، ويتم في هذه الحالة تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
إنني لا أريد التأييس والنظرة السوداء، ولا أقصد التعميم، ولكن مثل هذه الحالات يجب ألا تتكرر، وأن لا نعيد الخطأ مرة أخرى، وأن نستفيد من دروس الماضي، وأن نعمل على تقديم الدعم لرجال الدعوة وأهلها ومن يقومون بأمر الدعوة للاحتساب، وليس للاكتساب وفق القنوات الرسمية، والبعد عن الفردية في التعامل، وألا تغلب الحماسة والعاطفة لدينا وحسن النوايا، وحتى لا نبكي على اللبن المسكوب، كما بكينا عليه كثيراً في أماكن وأزمنة متعددة.
خاتمة :
قال أحد السلف: «صلاح النية ليس دليلاً على صلاح العمل».
alomari1420@yahoo.com