الخيرة فيما يختاره الله، يرددها بعضهم ربما دون إمعان التفكير فيها، لكنها في الواقع أمر ملموس نراه بأعيننا عيانا بيانا، ويمر علينا في مسرح حياتنا طال أو قصر، كما نراه في الآخرين وما جرى ويجري في سيرهم، والموفق هو من ربط ذاته بربه، واتكل على الباري عز وجل وجعل ذلك ديدنه في شأنه كله، فمن توكل على الله فهو حسبه.
التوكل على الله يورث الرضا، والطمأنينة، وراحة البال، وكذلك يزرع الأمل، فإن مع العسر يسرا، كما أنه يدفع المرء لمواصلة المسير والشعور بالنجاح بعد الفشل، والقيام بعد الكبوة، والجري بعد العثرة.
وهناك بون شاسع بين من يربط ما أصابه بثقة في القادر الغفور الكريم، وبين من يرى أن تلك الظواهر إنما هي ضروب من الحظ، دون ربط بالله وقدره والثقة فيه، ولهذا فإن المؤمنين بالله وقدرته يكونون أكثر ثقة وأوسع أملاً من الإحالة إلى الحظ المجرد الذي ليس له كنه، ولا ثقة، وإنما هو انتظار لأمر ما يغير الحال ويصاحب ذلك قلق نفسي قد يصيب المرء لأنه لا يوجد متعلق يتعلق به ذلك الموقن بأن الحظ له باع طويل، وإنما هي تجارب الحياة علمته أن الواقع هكذا، فآمن به كما هو.
أهداني صديق كتاباً جديداً من إصداراته اسمه (القصص رؤية جديدة)، وفتحت أول ما فتحت على باب معنونٍ بالحظ، ذكر فيه شيئاً من الأقوال والقصص، فينقل أن «سوفوكليس» قال: يجب أن نعامل الحظ كما نعامل الصحة، نتمتع به إذا توفر لنا، ونصبر عليه إذا ساء، وفي بعض الأحيان يتعذر على المرء أن يبلغ أمنياته إذا لم يساعده الحظ. وهذا في الواقع أمر صحيح، وأذكر أنني قد قرأت في كتاب لممثل مشهور باللغة الإنجليزية قال فيه ما معناه : « إن الفضل في نجاحي يعود إلى الحظ بنسبة 96%». ولا أعلم سبباً في اختياره لهذه النسبة بالذات لكن ربما أنها تعبير عن أن النسبة الغالبة المطلقة في نجاحه تعود إلى الحظ.
وهناك حكاية صينية قديمة، هي موجودة في تراث «طاو» والطاوية فلسفة صينية قديمة مشهورة، بنيت عليها في الأساس حضارة الصين الإنسانية، وهي تحمل في طياتها الكثير من القيم الأخلاقية الرائعة، وتحث على الخير والسعي فيه، وتجاوز أخطاء الآخرين، وبناء مجتمع متحاب منسجم فاعل للخير، ولقد لمست تأثير هذه الفلسفة القديمة في الشعب الصيني الصديق عندما كنت أعمل هناك نحواً من أربع سنين جميلة رائعة.
وتقول الحكاية : إن أحد الفلاحين فقد حصانه الوحيد الذي كان يعينه على حرث الأرض وزراعة حقله، وبينما هو جالس يتأمل الحقل ويفكر في مشكلته، جاءه عدد من جيرانه ومحبيه وهم يندبون حظه متسائلين «أية مصيبة حلت بك؟» رفع الفلاح رأسه للسماء وجال فيها بنظره والتفت إليهم قائلاً: ربما.... من يدري؟ فانصرف الناس من حوله وهم يندبون حظه السيئ.
وفي اليوم التالي يفاجأ الفلاح بعودة الحصان إلى الحقل وخلفه ستة خيول برية قوية وجميلة، فيقوم بإدخالها للحظيرة.. ويعود إليه جيرانه ومحبوه فرحين ليهنئوه قائلين : « أي خير أصابك؟» فيهز الفلاح رأسه قائلاً: «ربما ... من يدري؟ وفي اليوم الثالث يتسلل الابن الوحيد للفلاح إلى حظيرة الخيول في غفلة من والده، ويمتطي أحد الجياد البرية، ويخرج به من الحظيرة، لكن الجواد غير المروض، يلقي بالابن فيقع على الأرض وتنكسر قدمه. ومرة أخرى يعود جيران الفلاح ومحبوه ويواسونه قائلين « أي مصيبة حلت بك؟ ويكتفي الفلاح بهز رأسه مردداً ربما .... من يدري؟.
وفي اليوم الرابع يأتي ضابط التجنيد من العاصمة لأخذ شباب القرية إلى الجيش حسب النظام المتبع هناك في ذلك الوقت، ويقضي نهاره وهو يجمع شباب القرية الصالحين للخدمة العسكرية، وعندما يصل إلى منزل الفلاح، ويشاهد حال ابنه العاجز بسبب كسر قدمه يتركه ويمضي، ويأتي جيران الفلاح ومحبوه إلى منزله يرددون : « أي خير أصابك؟» فيرد الفلاح ربما .. من يدري؟ انتهت القصة، وبلغت العبرة. فهل من معتبر.