نشرت إحدى الجامعات السعودية وعبر موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت رأيا إلكترونيا قامت به وكان السؤال (هل تم اختيارك لتخصصك برغبتك واختيارك؟) وقد شارك في الاستفتاء 3067 مشاركاً، أجاب منهم 40% بنعم، واختار 8% (لا فرق عندي)،
في حين أجاب 53% من إجمالي المشاركين بـ (لا على الإطلاق)، أي أن أكثر من نصف طلاب الجامعة لم يقرروا تحديد تخصصاتهم التي يدرسون فيها وهو من القرارات الهامة والمصيرية والذي تمتد أثرها مع الطالب لسنوات طويلة، وقد تركزت تعليقات المشاركين في الاستفتاء بأن هذا الأمر بني على أن هذا القرار كان (أفضل الموجود) أو (لإرضاء أهلي) أو(هذا هو المتاح) أو غيرها من الأعذار الأخرى.
لم أستغرب هذه التعليقات فقد كنت أعمل أثناء دراستي الجامعية في عمادة القبول والتسجيل بنظام الساعات (حيث كان يتاح للطالب الجامعي أن يعمل داخل الجامعة في أحد مرافقها بنظام الأجر بالساعة) وكان عملي في مكتب القبول وكان التقديم للقبول في الكليات يتم عن طريق شبابيك في صالات القبول وكنت أستلم الملفات من مدير القبول وأشاهد كيف يقوم الطلاب بتحديد مستقبلهم الدراسي وكان كثير منهم عندما يأتي دوره يضع اختيار كلية الطب فيتم إفادته بأن هذا الاختيار غير موجود ويجب تحديد كلية أخرى فيحدد كلية الهندسة فيتم إفادته بأن هذا الاختيار أيضاً غير متوفر فيسأل الطالب ما هو المتوفر فيجاب عليه المتوفر ثلاث كليات إما علوم أرض أو علوم بحار أو أرصاد ويجب أن تختار بسرعة حيث خلفك الطلاب ينتظرون وكنت أرى بعض الطلاب يلتف إلى زميله ويسأله ما رأيك فيقول له اختار علوم البحار فهي فرصة أن نتمشى كل يوم، وهكذا كان بعض الطلاب يحدد مستقبله الدراسي في ظل ما كان متوفرا من أنظمة للقبول في السابق، ويبدو أن نتائج الاستفتاء التي أظهرتها الجامعة اليوم تؤكد أن الوضع كما هو لم يتغير منذ أكثر من 18 عاما.
ولذلك فإنني أعتقد أن من أهم ما يجب أن يركز عليه الوالدان هو مساعدتهم في التفكير منذ نشأتهم فيما يريدون أن يتخصصوا فيه وأن ندع لهم حرية الاختيار وفق ميولهم ورغباتهم وقدراتهم وأن ندعم توجههم الذي يتجهون إليه وأن لا نفرض عليهم شيئاً بل نترك القرار لهم ولكن كل ذلك ينبغي أن يكون في فترات مبكرة بحيث ينشأ الطالب في مراحل التعليم الابتدائية والمتوسطة والثانوية وهو يعرف أنه سيلتحق بتخصص معين وسيركز في مجال معين وسيحرص خلال تلك الفترة على أن ينمي مهاراته وقدراته في هذا المجال حتى يبدع فيه ويصبح من ذوي التخصصات.
لا شك أن المعوقات كثيرة وأن بعض الأنظمة قد لا تساعد على تحقيق هذا الحلم وأن البيئة المتوفرة قد لا تدعم هذا التوجه ولكن لا بد أن نعمل جاهدين على أن نساعد أبناءنا في تحديد مستقبلهم منذ الصغر فنحن نعمل على تربيتهم والاهتمام بهم ووضعهم في أفضل المدارس ومتابعتهم دراسياً والتأكد من تفوقهم العلمي وفجأة وهم على أبواب الجامعة نتذكر بأننا لا بد أن يحددوا مستقبلهم الدراسي، وهذا ما أكده الاستفتاء فأحد الطلاب تخرج من الثانوية العامة “شرعي” بنسبة 98% وعندما سئل عن التخصص المطلوب ذلك بأنه يريد أن يكون طبيباً شرعياً فأفاده المرشد أن هذا مستحيل فهذا التخصص يتطلب خريج قسم (علمي)، مما قد يضطر البعض إلى أن يعيد دراسة الثانوية العامة وتغيير التخصص وفقد عدد من السنين.
إنها مشكلة أساسية تحتاج منا وقفة جادة من كافة الأطراف سواءً الطالب أو الأسرة أو الجهات التعليمية وتحتاج إلى برنامج متكامل منذ الصغر يساعد الأبناء في تحديد ميولهم وأن لا نعتمد على اختبارات الميول التي تعد بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية بل لا بد من المبادرة لمعرفة هذا الميول في مراحل مبكرة لمعرفة مستقبل أبنائنا من جانب ولندعم وطننا بكفاءات متميزة ومتخصصة من جانب آخر.