* * احتاج صاحبُكم إلى توثيق معلومةٍ تأريخيةٍ تدخل في المرحلة الشفهيةِ غير المدروسةِ ويمرُّ عليها الباحثون عابرين وفاجأه حين اكتملت لديه معطياتُها وشاء الاستقصاء حول أسبابها أن مواقعَ شبكيةً ترويها بلغةٍ صاخبةٍ ممتلئةٍ إثارةً بل وتثويرًا مع أن الحكايةَ تعودُ إلى ما قبل مئةِ عامٍ سابقةً توحيدَ الوطن ببضع عشرة سنة.
* * مات شخوصُ الحكاية وشهودُها وأبناؤهم وشاخ أحفادهم وما تزال العقليةُ التي أفرزت الحكاية متأججةً في المحاكماتِ الذهنيةِ والقوليةِ لدى من لا شأن لهم بالقضيةِ سوى انتمائهم القَبليِّ لدرجةٍ توحي للراصد أن الزمن لم يستطع محوَ الترسباتِ الناشئةِ عن حادثةٍ فرديةٍ معزولةٍ مثَّلت طابَع المرحلة ودفع متسببوها ومن حولهم ثمنها مضاعفا.
* * عجب أن فينا من يعيش “كربلاءَ” خاصةً بقومه أو جماعته يستدعيها حين يكتب فيكتئب وبدلًا من ضرب الصدور يتوجه إلى ضرب البناء الوطني بحَميةٍ مقيتةٍ دون أن يُقدّرَ مشرفو المواقعِ أن استدعاء التأريخ لاستعدائه عملية خطرةٌ في مجتمعٍ تعددي تحكمه مفاصلُ تجزئةٍ لمن يود العزف عليها.
* * لا يعني تجاوزُ مرحلة الشفاهية في حقبة ما قبل التدوين ودخولُنا في عصر البيت المعلوماتي الواحد الذي لم يُبقِ سورًا ولا ساترًا يحجب المشروع والمُشرّع التهاونَ بالتوثيق والتدقيق بل لعل أهميتهما ازدادت مع تزايد التزييف والتلفيق والتضارب والتكاذب الذي تمارسه الوسائطُ الاجتماعيةُ والإعلامية، وهو ما يضعُ الفرد والمجموعَ في مسؤوليةٍ وطنيةٍ أمام ضرورة كتابةِ وجهة نظرهم للقضايا التي تدور في أفلاكهم بصفاتهم الشخصيةِ والاعتباريةِ كي لا ينفردَ بتوجيهها آخرون ذوو ميولٍ أو اتجاهاتٍ أو أمراضٍ نفسية.
* * تكاثرت المعلومات لدرجةٍ التّخمة وتناثرت حتى التشتت وصارهمُّنا المحوَ من السطور والتخفيفَ من الصدور؛ فلا يخلو أغلبها من تدليسٍ أو تنفيسٍ أو تسييس يخلطُ ويخبط وضحيتُه الحقُّ وذووه.
* * الندرةُ هي الوفرةُ والنَّزرُ هو الغمر، وتدفقُ الأخبار يعادلُ جدبَها، كما أن تعددَ التحليلات يماثلُ نقصَها في زمنٍ لم تعد مشكلتُه وجودَ مفقودٍ بل افتقاد موجود، وفي ظل المذهبيةِ والأدلجةِ تتجاذبُ صانعَ الخبر ومعدَّ التحليل مصالحُ وأنظمةٌ وسياساتٌ ظاهرةٌ ومستترة ، ووسائلُ ناقلةٌ تتفقُ في العنوانِ المجرد وتختلفُ في التفصيلِ المزيد.
* * لملم مخرجاتِ بحثه الصغيرحول حادثةِ “ ما قبل مئة عام “ ولخصه في صفحاتٍ ساءتها صفعاتٌ استقبلها ضميرُ الوطن الواحد حيث مازال بعضُ رعاة الإبلِ الشاردةِ يحدونها لتجورَ على الزمان اليوم كما جارت بالأمس على المكان.
* * حدَّث صديقَه بما وجده في مواقعِ التشظي فأضاف إليها ما رصده في محطاتِ التعصب، واتفقا على خطورة البذور المتوارية انتظارًا للحظة انعتاق الجذور من أسر الطَّمر وامتداد أفرعها في الفضاءِ المهيأ لنمو الأغصان الملتفة حول ذاتها المشتبكة مع شقيقاتها.
* * استعاد ما وعاه من شجار فتيين مراهقين في بيئةٍ راقيةٍ أعياهما التفاهم فاستنجدا بإرثهما القبلي وأيقن أن مدلول بحثه العابر لم يتجاوز هذين الصغيرين اللذين نسيا أين هما وتذكرا من هما.
* * المَعاطنُ ليست مَواطن.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon