لا أظن أحدا يرغب في مغادرة منزله بعد صلاة الترويح في أي مدينة رئيسية في المملكة في هذه الأيام.. كل صغير وكبير ينطلق راكضا على طرقات هذه المدن ومع اقتراب عقارب الساعة من منتصف اللليل.. فلن تجد مكانا مناسبا للحصول على وجبة سحور جيدة أو يمكنك أن تتحدث عن الطرقات التي تمتلئ بسيارت
المراهقين التائهة لتمضية اللليل أو بالكبار متجهين لتأدية واجب عائلي أو الاستجابة لدعوات السحور التي تكاثرت كالعادة مع انتصاف الشهر وكأن البشر يتذكرون الآن أن رمضان يكاد يطوف بهم دون أن يحظوا باستضافة إحدى مناسباته.. لكن النتائج أن لا أحد يستطيع الوصول إلى مشواره بسبب كثافة السير وتجد السؤال يرن في ذهني دائما.. من هم الذين يملأون شوارعنا؟ أهم العائلات التي تذهب للتسوق للعيد؟ أم هم الشباب بنين وبنات ممن يحاول تمضية العشاء حتى السحور.. وماذا يفضلون من خيارات لسحورهم؟.
سؤالي: أين يذهب جيلنا الشاب للحصول على طعامه المفضل للسحور؟ هل هو مطبخ الوالدة حيث اعتدنا أن نتسحر؟ أم هي هذه الوجبات السريعة للأسماء المشهورة التي أصبحت سمة لجيل صغارنا؟
لنستمع معا لكلمات الدكتورة ثريا عبيد التي وصلتني 7 أبريل 2013 في ردها على مقالة لي حول موضوع الأنوثة الاستهلاكية الذي نشرته في جريدة الجزيرة (//2013/20130406/ar2.htm)
وقد وجدته مناسبا تماما لمقالة اليوم:
“العولمة الاقتصادية تطلبت عولمة القيم الاجتماعية حتى تتمكن منتوجات الاقتصاد الغربي (وحتى إن صنعت في الشرق) من وجود سوق لها. ونفس المنطق يمشي على الأكل والشرب والترفيه والأدوات المنزلية. فتغير تفسير عبارة “احتياجات أساسية” لتتضمن ما ينتجه الاقتصاد الغربي. أصبح ماكدولند وبيتزاهات ورد بول أساسيات في غذاء الشباب والمراهقين وكان من لا يعرفهم أو لا يأكلهم دخل كتاب التخلف من أوسع أبوابه. لكي تنجح العولمة الاقتصادية التي بدأت في منتصف القرن الماضي بوضوح كان لابد لنا جميعا أن نعتقد أن الحياة بدون الهامبرجر فقيرة وغير لائقة. وحتى في مجال الطعام هناك قائمة بما هو “شيك” وما هو “بلدي”، في أنواع الهامبرجر والبيتزا وكل ما يسمي junk food . فما بال ما حدث في مجال الملابس والزينة الخ. كلها منظومة اقتصادية واحدة تدور عجلتها للربح وهذا لا يحدث إلا بتغيير للقيم اليومية الحياتية ومعها مفهوم الحياة والمتعة والمظهر والمكانة الاجتماعية”.
نعم.. أولادنا شئنا أم أبينا يستمتعون بأكل الهامبرجر كل يوم ويتسابقون للوقوف طوابير أمام محلاته المشهورة؟ أتذكر أنني اضطررت في يوم ما (السنة الماضية) لتلبية نداء أطفالي للحصول على وجبة سريعة وكم أذهلني العدد الهائل للسعوديين الذين يتنافسون (بأدب أو بغيره؟) ملتزمين بقوانين الطوابير من أجل أن يحصلوا على وجبتهم؟ أو هم لا يكترثون ويعبرون (بلا مبالاة) أو غير قاصدين و من غير وعي بقوانين الحياة الحديثة التي تتطلب الانضباط في صفوف مرتبة لتلبية طلبات البشر الذين يتكاثرون على هذه الأرض دون حساب.. ولولا قوانين الحياة المدنية التي تنظمهم مرغمين لتحول عالمنا إلى غابة مفزعة من الجشع وطالب البقاء؟
كم من الصغار والمراهقين والنساء الشابات وحتى الأمهات ممن لا يجدون إشباعا (بطنيا) إلا من خلال هذه الوجبات السريعة التي عودنا أطفالنا عليها لسهولة الحصول عليها أينما ذهبنا ولرخص ثمنها فلا يكلف عشاء العائلة المكونة من أربعة أشخاص أكثر من 100 ريال وأنت مسافر فما الذي يحتاجه الوالدان لضبط مصاريف السفر غير وجبة سريعة تخلصهم من أنين الجوع وتشبع لدى أطفالهم الشعور بأنهم مسافرون إلى عالم جديد عبر الوجبات السريعة.. لكن؟
ما الذي نخسره أثناء ذلك؟ وما هي علاقة أطفالنا ومراهقينا بما نأكل؟
لنتذكر.. يشكل الأكل نصف حياتنا اليومية؟ العالم كله يدور حول ما نأكل وما لا نأكل وراقب نفسك خلال هذا الشهر الكريم . ما الذي ينتابنا من مشاعر مختلفة تدفعنا إلى أن نفرش هذه الموائد التي لن يأكلها أحد بعد لحظة الإفطار؟ ببساطة لأننا نفكر فيها ونخطط لها أثناء صيامنا لكن وحين نفك (الريق بحبة تمر وشربة ماء) يزول كل هذا الجوع ونبقى حياري أمام علاقة معقدة بالطعام لا نستطيع استهضامها قتبقى الموائد عامرة ويمضي أطفالنا جوعى رغم ذلك دون إشباع (بطني) لينطلقوا بعد الثانية عشرة إلى مطاعم الوجبات السريعة لإشباع نهمهم من خلال الوجبات السريعة؟
هل هو ذنبهم أم هو ذنبنا حين لم نجبرهم على تجربة أطعمة متنوعة وخاصة من البيئة المحلية أو العربية واخترنا الراحة في طعام مشبع لكنه غير صحي تمثله هذه الوجبات السريعة المبنية على اقتصاد غربي (بتغيير للقيم اليومية الحياتية ومعها مفهوم الحياة والمتعة والمظهر والمكانة الاجتماعية) كما ذكرت د. ثريا والإحصاءات الصادرة من كافة المؤسسات العلمية في المملكة تؤكد ذلك.!!
خذ مثلا:
دراسة أجرتها الباحثة السفياني المحاضرة بجامعة الطائف حول السمنة في مدارس البنات حيث وجدت أن أكثر من 10% من طالبات الثانوية في الطائف يعانين من السمنة المفرطة وأن أكثر من 23% من طالبات المدارس السعودية بشكل عام مصابات بزيادة في الوزن وأن أكثر من 70% من الطالبات لا يعرفن المضاعفات الصحية المرتبطة بزيادة الوزن.
وفي دراسة أخرى نشرها موقع صدى السعودي أشار د. نيازي إلى أن 29% من الرجال في السعودية يعانون من زيادة الوزن مقابل 37 % من النساء, أشار إلى أن هذه النسب تعتبر من أعلى المعدلات في العالم!
كما عرضت بعض الإحصاءات في مؤتمر الحماية من السمنة والذي عقد في 2 أبريل 2013 ونظمته مجموعة الأمم المتحدة الفنية بالتعاون مع الجمعية الخيرية لمكافحة السمنة (كيل) حيث أكدت دراسة د. الفدا التي عرضت في المؤتمر على ارتفاع معدلات السمنة بين مواطني دول الخليج كما أشارت إلى أن معدل انتشار السمنة بين الأطفال قبل سن المدرسة وصل إلى 8 إلى 9% من أطفال منطقة الخليج وبلغت معدلات السمنة بين البالغين في المملكة فقط إلى 40%.
هل نصدق؟