لست أبالغ، إن قلت إن أفضل مشروع تنموي قامت به المملكة هو «الابتعاث»، مقارنة ببقية المشاريع الاسمنتية. فهذا يخص الإنسان، في بناء فكر وسلوك يوازي الارتفاع العمراني، ويخلق توازنا في البنية التنموية التي نطمح لها.
برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث يضخ مليارات لأجل الإنسان السعودي، وهذا الابتعاث يشمل الداخلي والخارجي، ولكل منهما رؤية واسعة تجاه تحقيق الأهداف المرجوة، إلا أنني أثناء تأملي في واقع الابتعاث الداخلي الذي هو مخصص لبناتنا وشبابنا المميزين، وجدت تفاوتا كبيرا بينهم وبين مبتعثي الخارج من الناحية الحقوقية، فلو نظرنا من ناحية التكلفة، نجد بحسب تقارير اقتصادية أن تكلفة المبتعث الخارجي توازي 20 مبتعثا داخليا، إذ إن الدولة منحت من هو في الخارج كافة حقوقه، مع ذلك في ظل ارتفاع الأسعار العالمي، فحتى المخصصات الشهرية لم تعد كافية لهم، والمطالبات قائمة بزيادتها. في حين من هو في الداخل لا يحصل إلا على تكلفة الجامعة الخاصة التي يدرس بها، فلا مكافأة شهرية كمن يدرس في جامعة حكومية، ولا تأمين طبي أسوة بالمبتعث الخارجي.
المتأمل في هذا الحال، يجد أن مبتعثي الداخل ولن أبالغ إن صنفتهم ضمن فئة «المنسيين» ومن حقهم أسوة بنظرائهم الحصول على مكافأة شهرية كتلك التي تُصرف للدارسين في الجامعات الحكومية -على الأقل- ولو قسنا تكاليف المبتعث الداخلي بالدارس في جامعة حكومية، نجده الأقل تكلفة، إذ إن برنامج الابتعاث الداخلي يتكفل فقط بمصاريف دراسته، في حين أن الطالب الحكومي يُكلف الدولة مصاريف طويلة بدءاً من المباني والتجهيزات، ورواتب أساتذة وموظفين وإداريين، وقائمة المصاريف تطول.. على عكس المبتعث في جامعة خاصة والذي يتكفل مالك الجامعة بكل هذه المصاريف.
الطالب الجامعي يصل إلى سن يحتاج فيه على الأقل إلى مصاريف جيبه، وأوضاع -بعض- الطلبة مؤلم للغاية، فهناك كتب وملازم واحتياجات دراسية بحاجة إلى مبالغ تُنفق عليها، وإن لم يكن لدى الطالب مكافأة شهرية فمن أين له قيمة الإنفاق؟ إضافة إلى مصاريف المواصلات والبنزين، والطالبات اللاتي يحتجن إلى استئجار سائق بمبلغ شهري لا يقل عن 1500 ريال، وقائمة طويلة من المصاريف التي تجعل من هم في هذه السن -تحديدًا- يتملّكهم الشعور بالإحراج من أهاليهم في حال تكرار الطلب عليهم لهذه المصاريف. حيث نعلم جميعًا ما تمر به هذه الفئة العمرية من تغييرات، والحاجة إلى الشعور بالاستقلالية، وهو ما يميز الطالب الجامعي عن غيره في المراحل السابقة الذي يعيش على مصروف الأسرة، أضف إلى هذا أن من بين أبنائنا مبتعثي الداخل من ينتمي إلى أسرة من ذوي الدخل المحدود، وبعضهم فقراء، فكيف يُؤمن مصاريفه الأولية وهو ينتمي إلى برنامج ابتعاث خادم الحرمين الشريفين، الذي يُعده إلى اليوم الذي يرد فيه هذا الجميل لوطنه وأهله.
الأمل، كل الأمل، في أن يكتمل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الداخلي بتخصيص مكافأة شهرية لبناتنا وأولادنا، وأنا على ثقة أنهم يستحقون!
www.salmogren.net