مراقبة الأحداث والبشر قد تكون من أمتع الأمور إن كانت بهدف التأمل والتفكر وتكوين رأي أو عبرة.. أو إبداع فكرة.. أما إذا توغلت ووصلت حد الهوس لتتحول إلى تجسس يفتش بين ثنايا الأسرار لأي هدف كان.. هنا فقط تتحول المتعة إلى قنبلة منزوعة الفتيل ستنفجر لا محالة.
يحدث أن نقرأ ونسمع من المهتمين بقضايا المجتمع الأخلاقية.. وخصوصاً عن فئة الأطفال والشباب.. قصصاً مهولة مرعبة.. عن الانحلال.. والاختطاف.. وشبكات مشبوهة تحاول اصطياد الصغار لتبتزهم وتدمر براءتهم..و.. و.. و.. إلخ
ومع كل هذا التخويف تفارق معه إحساسك بالأمان.. وتبدأ مرحلة الشك المدمرة في الأبناء والبنات.. والأدهى من ذلك كله.. الحلول المقترحة من نفس المصدر الذي أخذ دور الإعلام “المطاطي” الناجح في نفخ بالونات الحوادث الفردية ليحولها إلى ظاهرة مرعبة.. يستمد قوته من العقول الساذجة التي لا تفكر ولا تطالب بدليل أو برهان.. إنما تكتفي بالمشاركة “الكومبارسية” لخلق مناخ مناسب ليكسب المصدر دعاية مجانية.
ومن الحلول الصاروخية.. الحل التفتيشي.. فتش غرفة ابنتك.. فتش جوال ابنك.. فتش سيارته.. فتش ألعابه.. فتش حياته.. فتش أسراره.. فتش أفكاره.. فتش كلماته!
هذا السلوك يذبح الثقة.. لأنه بمثابة بعثرة الخصوصية على قارعة الطريق.. ومجرد محاولة لتعبئة مسدس بذخيرة حية واتخاذه لعبة.. ولا أدري كيف يحسبونه حلاً مع تعددية التكنولوجيا؟
وماذا إن قرر ابنك أو ابنتك قلب الطاولة والتفتيش بأجهزتك وخصوصيتك.. تراه ماذا سيجد؟ وما هو موقفك؟ وأي قيمة لحياة قائمة على هتك الأسرار؟
ودعونا نكمل سيل الأسئلة الأكثر رعباً.. ماذا تنتظر من إنسان كشفت أسراره؟ غير العناد والتحدي لأنك كسرت إحدى الدعائم النفسية التي تنهى عن الخطأ.. إنه الحياء الذي يفقد دوره عندما تسحق كبرياء الإنسان.. وماذا بعد أن تتعرى الأسرار وتبدو ظاهرة للعيان!
تريثوا.. ما هكذا تكون الأبوة والأمومة والأخوة.. ولا الأبناء.. ولا الأسرة.. لأنهم إن وجدوا صدراً يحتويهم.. ولمسة حانية.. وأذناً مستعدة للاستماع والإنصات.. ولساناً قادراً على الصمت ليفهم العقل أولاً.. ثم يكون الحوار المبني على حرية الاختيار وتحمل مسؤوليته.. عندها أتراهم يمكن أن يكونوا ضحية يوما ما؟
amal.f33@hotmail.com